أخبارالمقالات

دماء للتخدير!

محمد علي جواد تقي
منذ أن أريق دم الإمام الحسين عليه السلام، وأهل بيته في وادي الطف، وبات كل قطرة دم شيعيّ تغلي على الأرض محدثة شرارات حارقة بوجه كل ظالم من يتجرأ على سفك الدم الحرام، وهذا ما دفع شخصٌ مثل عبد الملك بن مروان، لأن يوصي الحجاج الذي حثّه على قتل الإمام زين العابدين “إن أردت ان يثبت مُلكك”، ويقول له: “جنبني دماء بني هاشم واحقنها فإني رأيت آل ابي سفيان لما أولعوا فيها لم يلبثوا الى أن أزال الله الملك عنهم”.
لابد لنا من مراجعة صفحات التاريخ، ونحن بصدد تسليط الضوء على احداث راهنة، “فمن لا تاريخ له لا مستقبل له”، كما يقال، وفي التاريخ الشيعي الكثير من التضحيات، وايضاً الكثير من المفاخر والمنجزات، وهذا بفضل عامل الردع، وهذا ما يعلمنا إياه أمير المؤمنين، ومن يفترض ان يكون مثالنا وقدوتنا في كل شيء، وهو يقول: “اُغزوهم قبل ان يَغزوكم فوالله ما غُزي قومٌ في عُقر دارهم إلا ذلّوا”، فالبقدر الذي تتصدّى وتتحدّى تتوفر المَنعة والعزّة أمام أقوى التهديدات في العالم.

في شهر رمضان المبارك، شهر الصوم والعبادة والتأمل والتفكّر والمراجعة، وإذا يهتزّ جدار الأمن الشيعي بعنف بثلاث هجمات ارهـ،ـابية دامية تستهدف اخواننا المؤمنين في افغانستان؛ في العاصمة كابول، ثم في مزار شريف، والثالثة، وربما ليست الاخيرة في مدينة قندوز، لتزهق أرواح من كانوا يؤدون فريضة الصلاة لا غير، وليجلس من يقف خلف تلك الهجمات مسرورين مبتهجين بنجاح العمليات دون أية عقبات، ولا حتى ردود فعل تردعهم عن تكرار هذه العمليات الناجحة في اماكن اخرى! كما لو أن تلك الدماء الزكية تفعل فعل المخدّر لدى البعض!
ما يؤسفني حقاً؛ تعليق حول مصائب ومعاناة الشعب الافغاني لأحد الاخوة بأن “للشعب الافغاني ربٌ يحميهم”! بدعوى أنه في العراق غارقٌ في المشاكل والمعاناة، وإن كانت ثمة فكرة للتغيير نحو الاحسن يفترض ان تكون “للأقربون” أولاً! وقد أشرت في مقالات سابقة الى ما تجرعناه من غُصص الخذلان طيلة اربعين سنة من حكم نظام صدام عندما كان يوغل في الشعب العراقي قتلاً وتشريداً وتنكيلاً وتعذيباً ولا من ناصر ومعين من المسلمين في العالم، إلا القليل، ثم استمر النزيف الى ما بعد سقوط الصنم، وظهور أصنام جديدة، فهل ننسى كل ذلك لمجرد تحسّن الحال؟
الشعب الافغاني بأسره، والشيعة على وجه التحديد يعدون من الشعوب المغلوب على أمرها في العالم، فهو معرض منذ نصف قرن للحروب والنزاعات السياسية الدامية، ولم يتذوق طعم الاستقرار والامن قط، وما أن تنسّم الحرية لفترة من الزمن، وتمكن من الارتقاء في ميدان العلم والمعرفة حتى انطلقت نحوهه سهام الحقد والغضينة ذات الامتداد التاريخي الى صدر الاسلام، لان تطورهم في المجالات كافة، لاسيما في مجال العلم والاقتصاد، يعني تعضيد الجانب العقدي والثقافي ليبسطوا جناحهم في البلاد ويتمكنوا من نشر الحق والفضيلة في كل مكان، كما تمكن من ذلك العراقيون لفترة من الزمن.
إن أصوات التضامن مع الشعب الافغاني بأسره ضد كل محاولات التأزيم، وفي خطوة لاحقة؛ تعبئة الرأي العام المحلي والعالمي لمواجهة المخطط الدموي، من شأنه إيقاف اصحاب هذه المخططات البشعة عند حدّهم واجبارهم على التفكير ألف مرة قبل إرسال الارهابيين لتنفيذ جرائمهم ضد الابرياء في المساجد والاسواق والاماكن العامة.
وكما يصدق الأمر على افغانستان، فانه يصدق ايضاً على أي مكان بالعالم يتعرض فيه الانسان المؤمن للظلم بكل اشكاله، لاسيما في المنطقة الخليجية، وفي شبه القارة الهندية، وفي اليمن، وفلسطين، فكما يتابع الاخوة المؤمنون قضاياهم المحلية، ويبحثون عن حلولاً لمشاكلهم في بلادهم وفي مجتمعاتهم، من الجدير ايضاً إلقاء نظرة أوسع الى ما يحصل لباقي أعضاء “الجسد الواحد”، وهذه مهمة المؤسسات الثقافية والاعلامية، واصحاب الكلمة المسموعة والمقروءة، ثم مسؤولية العلماء والوجهاء ليثبتوا أنهم مؤمنين حقاً كما وصفهم نبيهم الأكرم في حديثه المشهور عن “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد اذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى”.
ثم ألا نقرأ كلام أمير المؤمنين، عليه السلام، في نهج البلاغة، ونحن نعيش أيام استشهاده، وهو يوبّخ الكوفيين المتخاذلين بما فعله أنصار معاوية في منطقة الانبار –آنذاك- بأنه “بلغني أن الرجل منهم كان يدخل على المرأة المسلمة والأخرى المعاهدة فينتزع حِجلها وقُلبها وقلائدها ورعاثها ما تمنع منه إلا بالاسترجاع والاسترحام، ثم انصرفوا وافرين ما نال رجلا منهم كَلِم ولا أريق له دم، فلو أن امرءاً مسلماً مات من بعد هذا أسفا ما كان به ملوماً بل كان عندي به جديرا، فيا عجباً والله يميت القلب ويجلب الهمّ من اجتماع هؤلاء على باطلهم وتفرقكم عن حقكم”، فهل لأمير المؤمنين مشكلة خاصة مع معاوية وجنوده؟ أم إن القضية منهج مستمر مع الزمن ومعادلة لن تتغير؛ تسكت عن حقك وتغضّ الطرف أمام الظلم والطغيان، يكتسب هذا الظلم والطغيان الشرعية، ثم ينتشر مثل السرطان ولن يستثنينا أبداً من آثاره القاتلة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى