أخبارالعالم

دراسة فرنسية تكشف زيادة في السلوكيات المعادية للمسلمات في أماكن العمل

أظهرت دراسة نشرها معهد “مونتين” الفرنسي تزايد السلوكيات المعادية للموظفين المسلمين (رجال ونساء) عام 2020، وهو ما يثير مجدداً النقاش حول حدود الممارسات الدينية في أماكن العمل.
وتقول الكاتبة “أوسيان هيريرو”، في تقرير نشرته صحيفة “لوفيغارو” (lefigaro) الفرنسية، إن الدراسة -التي شملت 25 ألف مدير تنفيذي وإطار في الشركات الفرنسية- أظهرت أن السلوكيات السلبية تجاه النساء، وبشكل عام السلوكيات التي تثير المشاكل وتتسبب في تعطيل سير العمل، ارتبطت أساسا بالموظفات المسلمات.
حظر أي إشارة دينية بمكان العمل
ويقول “إريك شالان بلفال”، صاحب إحدى الشركات المتخصصة في إعادة تدوير النفايات، إنه كان يتبنى قبل 20 عاماً مواقف مناهضة للعلمانية، لكنه يؤيد حالياً “تطبيق بعض التغييرات المقبولة”.
وفي وقت سابق من العام الحالي، قرر إدراج بند مكتوب ضمن لوائح الشركة يشجع على الالتزام بالحياد ويحظر أي إشارات دينية واضحة في مكان العمل.
ويوضح بلفال أنه طلب من سائقة تعمل في الشركة، وترتدي الحجاب، أن تكتفي بغطاء رأس بسيط لتجنب أي مخاطر عند قيادة السيارة.
أما بالنسبة للموظفين والموظفات ممن يبحثون عن مكان هادئ للصلاة، فقد أكد أن لهم غرف تغيير ملابس، وبقية المكاتب داخل الشركة ليست المكان المناسب لإقامة شعائرهم الدينية.

الصلاة في أماكن العمل

وللحد من تسرب المياه على أرضية الحمامات وما يقال إنه بسبب الوضوء، فإن صاحب الشركة يستعد لتركيب مراحيض وأحواض استحمام تركية. لكن، لسائل أن يسأل: كم عدد هؤلاء الرؤساء والمديرين الذين اضطروا للتعامل مع هذه الممارسات الدينية في أماكن العمل؟
ووفقًا لدراسة أعدها “معهد مونتين” (Institute Montaigne) يعتبر ثلثا الموظفين الفرنسيين أن الممارسات الدينية أصبحت حاضرة بوضوح في مؤسساتهم.
ويؤكد ليونيل أونوريه، مدير مرصد الممارسات الدينية بأماكن العمل ومؤلف الدراسة، أن السلوكيات المعادية للموظفين المسلمين شهدت ارتفاعا بنسبة 12% عام 2020، مقابل 8% عام 2019، كما أصبحت الممارسات الدينية أكثر وضوحاً مقارنة بالسنوات العشر الماضية.
ويشير أونوريه إلى أن الإحصائيات تظهر أن الممارسات الدينية لم تتسبب في أي مشاكل بأماكن العمل في 80% من الحالات، في حين سُجلت اختلالات خطيرة فيما يتراوح بين 15 و18% من الحالات المتبقية.

الصلاة والحجاب
أي حدود لممارسة الشعائر الدينية في أماكن العمل؟ وهل يمكن تأدية الصلاة أو ارتداء الحجاب عند القيام بالوظيفة؟ تبدو هذه الأسئلة من أهم ما يشغل الجاليات المسلمة بالدول الغربية.
ويقول أحدهم “أصلي في مكان العمل عندما تكون غرفة الاجتماعات فارغة، حتى الآن، لم يلاحظ أحد ذلك” ويقول آخر “اضطررت إلى ترك بعض الوظائف بسبب عدم القدرة على أداء الصلاة في الوقت المحدد”.
وتشير مجمل آراء المسلمين -وفقا للكاتبة- إلى أنّ نسبة كبيرة منهم تسعى إلى إخفاء الممارسات الدينية في أماكن العمل، لكن المسألة تختلف عندما يتعلق الأمر بارتداء الحجاب الذي يُعتبر من الأمور التي لا يمكن إخفاؤها.
وكانت قضية الموظفة المسلمة العاملة بحضانة “بابي لو” (Baby Loup)، والتي فُصلت بسبب ارتدائها الحجاب، من أشهر ما أثار الجدل حول الممارسات الدينية بأماكن العمل.
وقد تعمق الجدل القانوني بعد أن أصدرت محكمة الاستئناف عام 2013 حكما بإلغاء الطرد واعتبار قرار إيقاف الموظفة عن عملها ذا طابع “عنصري”.
ويقول المحامي مايكل أمادو بهذا الشأن “منذ صدور ذلك الحكم، ازدادت الطلبات المتعلقة بتعزيز مكانة الدين في أماكن العمل”. وخلال السنوات الماضية، أصبح يتلقى العديد من الاستشارات المتعلقة بتعديل أوقات العمل لممارسة الشعائر الدينية، ومراجعة الواجبات بالشركات لتتوافق مع الشريعة الإسلامية.

لوائح صارمة
ولدى شركات النقل العام، تغيرت الأمور بشكل جذري منذ عام 2015 في أعقاب هجوم باتاكلان، حيث اتضح أن أحد المهاجمين كان يعمل سائق حافلة لمدة سنتين قبل الحادث، واتجهت كل الأنظار منذ ذلك الحين للموظفين المسلمين الذين يؤدون شعائرهم بشكل علني.
وفرضت الهيئة المستقلة للنقل في باريس (شركة عمومية) إلى احترام الحياد الديني على موظفيها، على عكس موظفي الشركات الخاصة الذين تمسكوا بحرياتهم الدينية.
عام 2015، عُيّنت لجنة مسؤولة عن القضايا الأخلاقية بالشركة، وفي السنة ذاتها تم الإعلان عن فصل 7 موظفين بسبب مخالفة اللوائح، و6 حالات عام 2016، مقابل طرد موظف واحد عام 2019، وموظفين اثنين عام 2020.
وقد مكن قانون سافاري لعام 2016 قطاع النقل العام من فرض معايير محددة لقبول الموظفين الجدد، وشروط نقل الموظفين من مكان إلى آخر، بما يسمح بضمان “الحياد” الديني المطلوب.
من جهتها، اعتمدت الشركة الوطنية للسكك الحديدية دليلاً لمبادئ “العلمانية والحياد” يتطرق لمختلف الحالات التي يحتمل التعرض لها بأماكن العمل والحلول الملائمة وفق قيم الشركة.
ومن بين الحالات التي تم التطرق إليها: إمكانية إلقاء التحية على الموظفين بشكل مختلف حسب الجنس، أو رفض بعض الفحوصات الطبية لأسباب دينية.

هل هناك مشكل في اندماج المسلمين؟
رغم هذه الإجراءات، تُظهر دراسة معهد مونتين أن قطاع النقل ما يزال من أكثر القطاعات تضررًا من النزاعات الإدارية المرتبطة بالممارسات الدينية في أماكن العمل، تليه قطاعات البناء والخدمات اللوجستية والأمن.
ويوضح مدير مرصد الممارسات الدينية أن الدراسة ركزت في المقام الأول على المسلمين، لأن ممارساتهم الدينية أكثر تنوعًا وأكثر وضوحا في أماكن العمل.

ويرى عادل بول بولاد، مؤلف كتاب “تابو الاندماج الإسلامي في الشركات.. دليل المدير” أن هناك نوعا من المبالغة في هذا الشأن، لأن 10% فقط من الموظفين المسلمين يسعون إلى تكييف مكان العمل مع ممارساتهم الدينية.
من جانبها، تقول لوسي دو نوبليه، مديرة مؤسسة “إيناغورا” (InAgora) للاستشارات في إدارة الممارسات الدينية داخل الشركات “بالنسبة للأشخاص المسلمين، قد يكون من الصعب على سبيل المثال مقاومة الضغط الذي يمارسه زميل أو رئيس يصوم شهر رمضان ويصر على هذه النقطة”.

نحو “فقه إداري” جديد
وبسبب عدم امتلاكها لصلاحيات الرقابة الإدارية التي تملكها المؤسسات الحكومية، تحاول العديد من الشركات الخاصة السيطرة على ممارسة الشعائر الدينية في أماكن العمل بوسائل أخرى.
وتؤكد الكاتبة أن أصحاب الشركات الذين حاورتهم “لوفيغارو” يدركون أن محاولات السيطرة على هذه الممارسات يمكن أن تؤدي إلى التمييز ضد الموظفين المسلمين رجالا ونساء، وهو أمر غير قانوني، في حين تفضل بعض الشركات أن تحدد بوضوح حدود الممارسات الدينية في لوائحها الداخلية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى