“السُعاة والدُعاة المتجوّلون”.. شعيرة روحانية في إيران لدعوة الناس إلى زيارة العتبات المقدسة
ترجمة/ شيعة ويفز
عرفت البلدان العربية والإسلامية وحتى الإغريقية، وظيفة يقوم بها أشخاص محدّدون لتعريف عامة الناس بالأحداث السياسية الجارية والقرارات المتخذة من السلطات الحاكمة، حيث يجولون في الشوارع والأسواق وينادون بين المارّة بما لديهم من أخبار جديدة، ولعلّها تعدّ الوسيلة الإعلامية الأولى (التقليدية)، إلا أنه في إيران اتخذت هذه الوظيفة بعداً آخر حيث تحوّلتْ من الإعلان عن القرارات الحكومية إلى دعوة الناس لزيارة المراقد المقدّسة لأهل البيت (عليهم السلام)، يرافقها إنشاد قصائد جميلة وجو روحاني رائع يسمى بشعيرة (جاووشي) ويترجم للغة العربية بـ (المنادي) والتي تأتي من كلمة (جاو أو چاو) بمعنى (المغرّد) أو (تغريد البلابل).
ومع أنّ هذه الشعيرة أصبحت قديمة، مع ذلكَ فهي تشهدها عدّة مدن إيرانية وإن كانت بنسبة قليلة، ويُعيد الباحث (سيّد حسين الصَديق) التذكيرَ بها خصوصاً في ظلّ ظروف وباء (كورونا) واشتياق محبّي أهل البيت (عليهم السلام) لأداء الزيارات المباركة.
ويبيّن الباحث وهو عضو هيئة تدريس بجامعة آزاد الإسلامية في مقال له تابعته (شيعة ويفز)، أنّ “هذه الشعيرة تسمّى عندهم (جاووشي) وهي كلمة تركية الأصل وتعني رسولاً، أو ساعياً، أو قائد قافلة، يدعو الناس لزيارة العتبات المقدسة وبيت الله الحرام”.
ويمضي بالقول بأن (جاووشي) هو “أحد أنواع الأدب الشفاهي. ويتم عبر تلاوة مجموعة قصائد في حفل مرافقة حجاج مشهد وحجاج مكة والمزارات المقدسة والترحيب بهم”، مضيفاً أنه “في الماضي البعيد، كان القراء يُعتبرون جزءاً من قافلة الحملة، والذين يقومون بتلاوة القصائد التي تتضمّن مدح الرسول محمد (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الكرام (عليهم السلام)؛ لما فيه من الجانب الروحي المختبئ يعتبر من التراث الحضاري للإيرانيين”.
ويشير إلى أن “هذا التقليد الشعبي (جاووشي) أصبح على وشك الانقراض، بينما يكشف التحليل النصي للقصائد الملحمية فيه أن هذه القصائد تشير إلى الجوانب الحقيقية لرحلة الحاج وهدفه”.
ويلفت إلى أن “هذا الفعل القرائي والنداء بين الناس كان يعدّ مرحّباً بين عوام الناس والحكام على حدٍ سواء”، مبيناً أنه “في شهررود، تعدّ قراءة جاووشي وسيلة لإطلاع أهالي الحيّ على رحلات الحج وزيارات العتبات المقدسة، والتي يتم إجراؤها يومياً”.
وزاد في قوله بإن “تلاوات المتنقلين تتكون من قصائد، وهي في الغالب من ذوق وكتابة القائمين بها، وغالبًا ما يكون شعراؤهم مجهولين”، مشيراً إلى أن ” عائلات الحجاج سواء المغادرين أو القادمين تقدّم لهم الحلويات والخبز المحلي وعصير الفاكهة أو الشاي للحضور والمرحمين”.
وبالنسبة للقصائد والأناشيد والتلاوات المستخدمة يمكن تقسيمها بحسب الباحث إلى “ثلاثة أقسام عامة من حيث التركيب بناءً على الموضوع. وينقسم الهيكل العام إلى أقسام ثلاثة وهي (قصائد قبل المغادرة، قصائد على طول الطريق، قصائد عند الوصول)”.
ويتابع قوله، “تتطلّب قراءة القصائد والتلاوات أكثر من أي شيء نقاوة وإخلاص مقصور على فئة معينة”، مشيراً إلى أنه “عكف على تعليم طلبته في دراسة الماجستير على تلاوتها وتدريبهم”.
ويختتم الباحث حديثه بالقول بإن “(جاووشي) شعيرة مهمة وتصنع جواً روحياً وعاطفة في كل مكان، وكان الحجاج يندمجون مع القارئين، وجعلت الروحانية الناس ينسون ما إذا كان لديهم ضغينة ضد بعضهم البعض في قلوبهم وأن يحكمهم الحب والتعاطف”.