أخبارالمقالات

في ذكرى رحيل المفكر الشيرازي.. بناء دولة المؤسسات

تقدم المدرسة الشيرازية، التي أرسى دعائم بنيانها، المفكر الكبير والمرجع المجدد، السيد محمد بن المهدي الحسيني الشيرازي، رؤى في مسارات بناء الدولة والحكم، وفق مبادئ الشورى، التي من متبنياتها “شورى الفقهاء والمراجع”، وتقدمها كمناهج ومسارات إستراتيجية، لبناء دولة المؤسسات والقانون، ضمن ثوابت المنظومة الإسلامية، في اشتراطات قواعدها الفقهية، المتمثلة بالإلزام والإمضاء، وقاعدة لا ضرر، وسواها من من مباني الفكر الإسلامي، القائم على مبادئ قبول الآخر، واحترام آدميته، وضمان حقوقه المشروعة، في الحياة الكريمة، وصيانة الحريات العامة.
وفي مقدمة تلك الرؤى الفكرية، التي تطرحها المدرسة الشيرازية، لضمان بناء الدولة، وفق أسس سليمة وعادلة، التوجه للعلاقات العامة، لإزالة الالتباس وسوء التفاهم وردم النهايات السائبة في تأسيس العملية السياسية، ولأجل خلق التوافق في نطاق المؤسسة أو المجتمع أو الدولة، لجهة بناء علاقات متينة، وداعمة للحكومة الديمقراطية مع الشعب. فالديمقراطية أو “الاستشارية”، وفق الاصطلاح الإسلامي للمفكر المجدد، هي الحكومة المنتخبة وفق التعددية الحزبية، ذات الصحافة الحرة والمؤسسات الدستورية، والتي تواجه عادة، معارضة دستورية مشروعة، من الأطراف غير الممثلة فيها، وفق اللعبة السياسية والنيابية.
عليه فإن نجاح الحكومة، لا يتحقق بالأداء الجيد فقط، وإنما يجب أن يقتنع الشعب بما يجري، وهذا يتطلب الاستعانة بالخبراء وذوي الإختصاص، فالعلاقات العامة تمثل استجابة ضرورية لحاجة المجتمع، الذي يطمح لبلوغ درجة عالية من التطور والتحضر.
إن متبنيات العلاقات العامة، كمنهجية تقويم وبناء وتنمية ظهرت في المجتمعات الإستشارية “الديمقراطية”، تستهدف الإقناع الشعبي بصحة الاختيار، وقربه لمصالحه من بين الاختيارات الأخرى، التي لم يمنحها صوته، وهي عملية تستوجب سلوكاً مهنياً دقيقاً، مستنداً إلى بيانات دقيقة وأدوات علمية تحكم طرفي العلاقة، وإدارات كفوءة، تعمل على تمتين الأواصر الفاعلة في منظومة العلاقات العامة، كما أن إقرار الديمقراطية التعددية في الإعلام والعلاقات العامة، مسألة ضرورية ليكون الفرد شريكاً واقعياً، لا مجرد هدف سلبي وآلة لاستهداف إعلام الدولة وأجهزتها المتسلطة في الشعب، وأن تكون المساهمة الاجتماعية هي رائدة الموقف.
إن بداية الطريق نحو التقدم هو في خيار الأنظمة القائمة على الشورى، ليبدأ المسلمون مرحلة النهوض الحقيقي لا الصوري، كما أن نشر الإسلام لا يجري بالقوة والفرض، والنموذج الجيد كفيل بنشره في الغرب نفسه، شرط أن يتحلى صناع القرار والقائمون على التبليغ والإعلام الإسلامي، بآداب الإسلام وأخلاقه، وأن يبعدوا العنف عن حياتهم إطلاقاً، اقتداءاً بالرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)، وإن تراث مدرسة آل البيت (عليهم السلام) حافل بالصورة الواضحة لقبول الآخر، والاعتراف بالاختلاف، واتباع الحوار منهجاً في الحياة، وعدم اتباع القوة في فرض الرأي على الآخرين، والتبشير بالفكرة والمعتقد من خلال اعتماد الأساليب المتحضرة في الإعلام ونشر المعلومات.
قبل أربعة عقود، قدم الإمام الشيرازي قراءة إسلامية توجب العمل بمبادئ الحرية والمساواة، وتطبيق الشكل الديمقراطي “الاستشاري” من الحكم، وما يليه من عقد إجتماعي، ضمن نص الدستور، وفق أطر حضارية متجددة، وتشكيل المجالس النيابية، لانتخاب ممثلي الشعب، وإن ذلك كله لا زال يخص بالبحث والدراسة، لغرض تسويقه فكراً واجتماعاً وعلماً، فإن نظرية (شورى الفقهاء)، التي تشكل التأصيل الأساس، في رؤى المدرسة الشيرازية، كما بينها المفكر الإسلامي آية الله السيد مرتضى الحسيني الشيرازي، تشكّل أساساً استراتيجياً، في “حل المعضلات في العالم الإسلامي، على صعيد السلطة والحكم والأحزاب، وعلى صعيد المرجعية بمنع إضعاف المرجعية المنافسة، من خلال تأسيس مجلس الشورى الفقهائي، الذي يضمن حقوق الأطراف المرجعية، واحترام آراء الأمة، وترتفع الكفاءات إلى سدة المرجعية”، فتكون المؤسسية هي الإطار العام للدولة والمجتمع وهيئاتها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى