المقالات

المزايا والواجبات في شهر رمضان

إنّ شهر رمضان العظيم هو شهر بناء النفس، والتبليغ، فعلينا أن ننتهز هذا الشهر المبارك بالعزم على ذلك. ومن يعزم يوفّق إن شاء الله تعالى . . . .

شهر رمضان المبارك الذي نعيش أيامه وأجوائه الآن، يحمل معه مزايا كثيرة للإنسان، تقف في طليعة هذه المزايا، تلك الأجواء الروحانية العميقة التي توفّر للإنسان فرصة ذهبية لتصحيح الذات وتقويمها، وتشذيبها، وجعلها أكثر استعداداً للإيمان، وفي الوقت نفسه يضع رمضان على الإنسان واجبات، منها على سبيل المثال الشروع في مضاعفة بناء النفس، بما يجعلها قادرة على تحمّل المصاعب، خاصة ما يتعلّق بمواجهة النفس لمغريات الحياة التي لا تعدّ ولا تحصى، وهي في الغالب إغراءات تنسجم مع الغرائز وتتفق مغها وتحقّق رغبات الإنسان، بعيداً عن الالتزام بالضوابط الشرعية والأخلاقية والعرفية منها. 

لهذا يستدعي هذا الشهر الكريم وفق خصوصيته، أن يكون الإنسان ذا قدرة مضاعفة على بناء نفسه، وهذا الجانب يعدّ من أهم الواجبات التي يجب أن يذهب إليها الإنسان، وثمّة مقومات وعناصر تساعده في هذا الأمر، وتجعله أكثر قدرة من غيره على تحقيق هذا الهدف المهم، خاصة إذا عرفنا أن الصراع ضد النفس، غالباً ما يكون من الصعوبة بمكان لدرجة أن يفشل الإنسان في هذا المجال، إذا كان قليل الصبر، وغير عارف أو متبصّر بما ستقوده إليه نفسه من مهالك، تحطّ من قيمته وتعرّضه هو وذويه إلى مشكلات صعبة وقد تكون خطيرة في كثير من الحالات والمواقف. 

وثمة واجب آخر يتطلّبه هذا الشهر الكريم، يتعلّق بقضية التبليغ، وتنوير الناس، وهي مهمة عسيرة أيضاً، وواجب مهم يتطلّب قدرة وإصرار على التنفيذ، مدعوماً بالصبر الذي ينبغي أن يتحلّى به الإنسان لتحقيق هذا الهدف. 

يقول المرجع الديني الكبير سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، حول هذا الموضوع في إحدى كلماته القيّمة: (إنّ شهر رمضان العظيم هو شهر بناء النفس، والتبليغ، فعلينا أن ننتهز هذا الشهر المبارك بالعزم على ذلك. ومن يعزم يوفّق إن شاء الله تعالى، ومن لا يعزم فلا يوفّق وستنتابه الحسرة في الدنيا والآخرة. ولذا يجدر بالمؤمنات والمؤمنين كافّة، أن يعزموا على هذين الأمرين المهمين). ويؤكّد سماحته، على المسؤولية الشرعية الملقاة على السادة العلماء والمبلّغين، بخصوص أداء هذا الواجب المهم، إذ يؤكّد سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال على: (أنّ المسؤولية الشرعية للسادة العلماء والمبلّغين دائماً وفي هذا الشهر المبارك تتلخّص بواجب عيني وهي تزكية النفس. وواجب كفائي وهي هداية الآخرين). وهكذا نلاحظ أهمية هذين الواجبين والتأكيد عليهما في هذا الشهر المبارك. 

 

تزكية النفس والهداية 

في الغالب عندما ينشط الإنسان لكسب رزقه، أو مزاولة أعماله أيّاً كانت، فإنه كما ذكرنا يكون عرضة للأخطاء، وخاصة ما يتعلّق بارتكاب التجاوز بحقّ الآخرين، وهي تجاوزات كثيرة متنوّعة، حاول الدين والقانون الوضعي، بالإضافة إلى حزمة الأعراف والتقاليد ومنظومة الأخلاق، تقليل تلك التجاوزات والمحرّمات، وردع أصحابها بشتّى السبل والوسائل، ولكن في هذا الشهر الكريم، هناك أهمية قصوى لتزكية النفس، حتى تكون مستعدّة وقادرة تماماً على رفض الإغراءات وتجنّب التجاوزات بصورة تامة. لذلك يؤكّد سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال على: (أن المراد من تزكية النفس، هو ما أشار إليه القرآن الكريم في الآية الكريمة التالية: (قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا). وهذا يعني على الإنسان أن يسعى في هذا الشهر إلى أن يكون الأفضل والأحسن من باقي الشهور والأيام، وأن يسعى إلى الارتقاء في الأفضلية). 

وهناك جانب آخر على الإنسان المؤمن أن يتمسّك به، ويقوم بتأديته، ألا وهو الجانب الذي يتعلّق بهداية الآخرين، وهو واجب ينبغي أن يؤدّيه كل إنسان مؤمن قادر على ذلك، وفقاً لمعلوماته وقدراته في هذا المجال، وقد رأى سماحة المرجع الشيرازي، أن هداية الناس (واجب مطلق)، من هنا نستطيع أن نقدّر مدى أهمية هذا الأمر. 

يقول سماحة المرجع الشيرازي: (إنّ هداية الناس واجب مطلق، ومقدّمات وجوده واجبة على كل شخص حسب فهمه وعلمه وقدرته). 

وثمة شرط يرافق فعل الهداية، ليس هناك مفرّ منه، لمن يريد أن يؤدّي واجب الهداية للآخرين، وقد عرفنا أنه واجب مطلق، أما هذا الشرط المهم الذي ينبغي أن يكون مرافقاً للهداية، يتمثّل بالأسلوب الصحيح والحسن، بمعنى عندما يقوم الإنسان المؤمن بهداية الآخرين عليه أن يؤدّي ذلك بطريقة صحيحة حتى يتمّ تحقيق الهدف بالصورة المثلى. 

لهذا السبب يؤكّد سماحة المرجع الشيرازي على: (أنّ التعامل الصحيح والحسن يوجب هداية الناس وتربيتهم. فهل عملنا في عمرنا كله عملاً يوجب هداية وصلاح الآخرين؟). وهكذا ينبغي علينا أن نسأل أنفسنا بجدية، هل قمنا بهذا الواجب كما يجب، وهل اعتمدنا الأسلوب والسبل الصحيحة للهداية؟؟ 

إنّ الإجابة عن هذا السؤال بصدق، بين الإنسان ونفسه وبينه وبين ربّه، سوف تكون عاملاً مساعداً على اندفاع الإنسان، لكي يؤدّي واجبه في هداية الآخرين، إذا كان قادراً من حيث المعلومات والاطّلاع، على أداء هذا الواجب المهم. 

 

ما هو المطلوب من الإنسان؟ 

لا يستطيع الإنسان أن ينكر تلك النِعَم الكثيرة التي وهبها الله تعالى له، فقد تم تنصيبه سيّداً على المخلوقات، وتميّز عليها جميعاً بالعقل، لذلك سيطر الإنسان بعقله وذكائه، على عالم الأرض وما يشتمل عليه من كائنات تتوزّع بين النبات والحيوان، ونظراً لهذه المكانة التي حصل عليها الإنسان، وهذه الميزة العظيمة المتمثّلة بالعقل، عليه أن يشكر الله بكرة وأصيلاً، وعليه أن ينتهز الفرص في هذا الشهر المتميّز (شهر الله)، لكي يقدّم الطاعة والشكر لله تعالى، وهناك جانب آخر مهمّ جدّاً، يتجسّد بأهمية أن يرضى الإنسان على ما قسم الله تعالى له في حياته، بمعنى عليه أن يتقبّل بصدق وعمق، ما وهبه الله تعالى له من أرزاق ونِعَم في حياته، لكي يتّخذ منها منطلقاً، للنجاح في شقّيه الدنيوي والأخروي. 

لذلك يقول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الموضوع: (يجب على الإنسان أن يشكر الله تعالى دائماً على ما أعطاه وعلى ما لم يعطيه، وأن يرضى بما قسم الله تعالى له). 

إذن فالمطلوب من الإنسان واضح، ولا يحتاج إلى تأكيد، إلاّ إذا تعلّق أمر التذكير بالإفادة، ففي الإعادة إفادة كما يُقال، وهذا التذكير يتعلّق بحتمية التزامه في هذا الشهر المبارك، وقبوله بما أعطاه الله من عطايا وهبات ومزايا في العقل والذكاء والخلْق، خاصة أن هذه الدنيا مستمرة في المضيّ بشكل أكيد نحو الفناء والزوال، إذ يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال: (على الإنسان أن يدعو الله تعإلى ويتوسّل إليه، ولكن عليه أن يعلم أن الدنيا زائلة وفانية، وكل النعم لا تتوفّر للإنسان، فيجدر بالإنسان أن يرضى بما قسم الله تعالى له). 

وكلنا نعرف حالة الطمع التي تتلبّس الإنسان منذ ولادته حتى وفاته، لذلك على الإنسان أن يردع نفسه عن الطمع بما لا يحقّ له، أو بما يمثّل تجاوزاً على حقوق الآخرين، ويجدر بالإنسان كما يؤكّد سماحة المرجع الشيرازي دام ظله، أن يتميّز بالقناعة والقبول بما وهبه الله تعالى، وعليه أن يكون شاكراً وراضياً على الدوام. 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى