في دراسة علمية فريدة من نوعها، سلّطت طالبة الدكتوراه في قسم الأنثروبولوجيا بجامعة بوسطن الأمريكية، السيدة “رومانا مهدي”، الضوء على الزيارات الدينية التي تشهدها العتبات المقدسة في العراق، كاشفةً عن زوايا جديدة لفهم العلاقات المتشابكة بين الجنس، الدين، القومية، والعالمية.
وتأتي هذه الدراسة في سياق إحياء ذكرى كربلاء الخالدة، كحدث تاريخي لا يزال منذ عام 680 ميلادي رمزًا للعدالة والصمود في وجه الظلم، ففي كل عام، يتوافد الملايين من المسلمين الشيعة من مختلف أنحاء العالم، إلى مدن العراق المقدسة، مثل كربلاء والنجف، لإحياء هذه الذكرى عبر طقوس عزاء مؤثرة.
الدراسة، التي تعد الأولى من نوعها في هذا المجال، تتناول بشكل خاص تجربة النساء الشيعة الباكستانيات أثناء زياراتهن لأضرحة آل البيت الأطهار “سلام الله عليهم”، لتكشف كيف تُعيد هذه التجربة، تشكيل الهوية الدينية والقومية، حيث رافقت الباحثة، مجموعة من النساء على امتداد الطريق من مدينة “كراتشي” الباكستانية وحتى أرض العراق في شهر تموز 2024، حيث عاشت معهن ووثقت تفاعلاتهن داخل المراقد، وممارساتهن للطقوس الدينية، وأساليب تواصلهن مع بعضهن البعض من جهة، ومع الأماكن المقدسة من جهة أخرى.
وتتعمق الدراسة في أسئلة مثيرة للجدل، منها كيفية نجاح طقوس العزاء في أن تُعيد فهمنا للعلاقة بين الدين والقومية؟ وكيف يتحدى وجود النساء في المراقد، الهياكل النمطية السائدة للهيمنة الدينية والاجتماعية؟ وكيف تتنقل هؤلاء النساء بين هوياتهن القومية الضيقة كباكستانيات، إلى مقاماتهن المتسامية كنساء مسلمات شيعيات؟
ومن خلال منهجية إثنوغرافية دقيقة، كشفت الباحثة أنماطًا غير متوقعة من التفاعل بين الجوانب الدينية، والاجتماعية، والسياسية في المراقد، حيث أظهرت الدراسة أن هذه الجوانب ليست معزولة عن بعضها كما يُعتقد، بل هي متشابكة بشكل يعيد تعريف مفاهيم الدين والقومية في العصر الحديث.
وتعنى الدراسة بإعادة تشكيل الفهم السائد عن دور المرأة الشيعية في الطقوس الدينية وتأثيرها على الخطاب العام حول تقوى الله في مراسيم العزاء، وبين هويتها الجنسية العفيفة في سياقات عالمية.