اكتشاف شبكة كهاريز قديمة في العراق تمثل “حلقة مفقودة” في تطور أنظمة الري الرافدينية

اكتشاف شبكة كهاريز قديمة في العراق تمثل “حلقة مفقودة” في تطور أنظمة الري الرافدينية
أعلنت الهيئة العامة للآثار والتراث العراقية، عن اكتشاف شبكة واسعة من الكهاريز القديمة في قضاء بدرة بمحافظة واسط، في إنجاز وصفه مختصون بأنه “من أهم الشواهد على تطور أنظمة الري في حضارات وادي الرافدين”.
وذكرت الهيئة في بيان أن الاكتشاف جاء بتوجيه من رئيسها علي عبيد شلغم، وبإشراف مباشر من مفتش آثار وتراث واسط حسنين الحسيني، الذي قاد فريقاً ميدانياً مختصاً بالتنقيب والتوثيق في منطقة بدرة الحدودية، مشيرة إلى أن “الفرق الأثرية تمكنت من العثور على مجموعة مترابطة من الكهاريز تمتد لمسافات طويلة تحت الأرض، كانت تُستخدم قديماً لنقل المياه من الينابيع إلى الأراضي الزراعية عبر نظام هندسي متقن يعتمد على الجاذبية دون الحاجة إلى وسائل رفع”.
وقال مفتش آثار واسط حسنين الحسيني، إن هذا الاكتشاف يمثل “نقلة نوعية في فهم تاريخ الزراعة وإدارة المياه في جنوب العراق”، مؤكداً أن “التحقيقات الأولية تشير إلى أن الكهاريز المكتشفة قد تعود إلى العصور الساسانية أو ما قبلها، وتتميز ببنائها من حجارة نهرية متماسكة وأقنية هوائية لتصريف الرطوبة، ما يعكس تطوراً كبيراً في تقنيات البناء والهندسة المائية القديمة”.
وأوضح الحسيني أن “الفريق يعمل حالياً على توثيق الكهاريز بالخرائط الطبوغرافية والصور الجوية، وأخذ عينات من التربة لتحديد الحقبة الزمنية الدقيقة”، لافتاً إلى أن الموقع سيخضع لإجراءات حماية مشددة بالتنسيق مع شرطة الآثار، لتجنب أي عبث أو حفر غير قانوني.
من جانبه، أوضح الخبير في أنظمة الري القديمة عباس حسين أن “الأنظمة الجوفية المعروفة بالكهاريز تمثل ثورة هندسية سبقت العصور الحديثة بآلاف السنين، إذ مكّنت الإنسان القديم من استثمار المياه الجوفية بطرق ذكية ومستدامة”، مبيناً أن “الطريقة المستخدمة في بناء الكهاريز المكتشفة تشبه الأنظمة التي عُثر عليها في نيبور وبابل، ما يعيد ربط تاريخ واسط بجذور الحضارات السومرية والآشورية”.
أما الباحث في الآثار الرافدينية قاسم العامري فقد أشار إلى أن “قضاء بدرة يُعد من أغنى المناطق الأثرية في واسط، إذ تحتوي أراضيه على بقايا منشآت زراعية وسدود وأنفاق مائية تعود للعصور البابلية والفرثية”، لافتاً إلى أن “النتائج الأولية تدل على أن المنطقة كانت مزدهرة زراعياً ومتواصلة الاستيطان عبر العصور، وهو ما ينسجم مع موقعها التاريخي على طريق الحرير القديم”.
وأكد الحسيني أن “الاكتشاف الأخير سيكون منطلقاً لأعمال تنقيب أوسع في بدرة والمناطق المجاورة مثل جصان وزرباطية، التي يُعتقد أنها تخفي شبكات ري مماثلة قد تكشف مزيداً من تفاصيل الحياة الزراعية القديمة”، مشيراً إلى أن الهيئة تعمل على ترشيح الموقع لمشاريع تنقيب موسعة بالتعاون مع بعثات أثرية محلية ودولية.
ويرى مختصون أن هذا الاكتشاف في واسط يمثل “الحلقة المفقودة” في تطور نظام الكهاريز داخل بلاد الرافدين، خصوصاً أن أغلب الاكتشافات السابقة تركزت في نينوى وبابل، مؤكدين أن إعادة دراسة هذه الأنظمة قد تسهم في تطوير حلول مائية معاصرة لمواجهة أزمة المياه في العراق اليوم.