كارثة بيئية في جنوب العراق: جفاف يهدد نمط حياة عمره آلاف السنين

كارثة بيئية في جنوب العراق: جفاف يهدد نمط حياة عمره آلاف السنين
تشهد الأهوار الجنوبية في العراق مأساة بيئية واقتصادية متفاقمة مع انحسار مناسيب المياه إلى مستويات غير مسبوقة، ما يهدد نمط الحياة التقليدي الممتد لآلاف السنين، ويعرض الثروة الحيوانية والتنوع البيولوجي لخطر الزوال.
فبعد أن كانت الأهوار، المُدرجة على قائمة التراث العالمي لليونسكو، تغطي آلاف الكيلومترات المربعة من المساحات المائية والقصب، تحولت اليوم إلى أراضٍ متشققة أشبه بالصحراء. ويأتي هذا التراجع نتيجة عوامل متشابكة أبرزها التغير المناخي الذي أدى إلى انخفاض الأمطار وارتفاع درجات الحرارة، إضافة إلى بناء السدود في دول الجوار على نهري دجلة والفرات، ما قلّص حصة العراق المائية بشكل كبير.
هذا الجفاف انعكس بشكل مباشر على تربية الجواميس، الركيزة الاقتصادية الأساسية لسكان الأهوار، حيث انخفضت أعدادها بصورة مقلقة بسبب تلوث المياه وارتفاع ملوحتها، الأمر الذي أضعف إنتاج الحليب والمنتجات المشتقة منه. كما أدى شح المياه إلى تراجع الوزن الطبيعي للحيوانات وزيادة إصابتها بالأمراض. وحذّر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي مؤخرًا من خطر انقراض الجواميس المائية إذا لم تُتخذ إجراءات عاجلة لحمايتها.
ولم تتوقف الخسائر عند الثروة الحيوانية، بل امتدت إلى التنوع البيولوجي، إذ تراجع عدد أنواع الأسماك من عشرات الأنواع إلى القليل منها فقط، كما انخفضت أعداد الطيور المهاجرة والمستوطنة بشكل حاد، ما يهدد بانقراض إرث طبيعي وإنساني ارتبط بتاريخ وحضارة بلاد الرافدين منذ العصور السومرية.
ويؤكد خبراء بيئيون أن ما يجري في الأهوار ليس أزمة محلية فحسب، بل كارثة بيئية ذات أبعاد عالمية، نظرًا لما تمثله هذه المنطقة من أهمية بيئية وثقافية استثنائية. ويرون أن إنقاذ الأهوار يتطلب معالجة جذرية لأزمة المياه في العراق، وإصلاح أساليب إدارة الموارد المائية، إلى جانب تحرك دولي عاجل للضغط من أجل ضمان حصة عادلة للعراق من مياه نهري دجلة والفرات.