مجزرة سجن بادوش: ذاكرة دامية تستدعي التوثيق والمساءلة وتحقيق العدالة للضحايا

مجزرة سجن بادوش: ذاكرة دامية تستدعي التوثيق والمساءلة وتحقيق العدالة للضحايا
تعود إلى الواجهة مجددًا واحدة من أبشع المجازر الطائفية التي شهدها العراق في تاريخه الحديث، مجزرة نزلاء سجن بادوش التي ارتكبتها التنظيمات الإرهـ،ـابية في حزيران/يونيو 2014، وراح ضحيتها نحو ألف نزيل غالبيتهم من الطائفة الشيعية، في عملية إبادة جماعية منظّمة مثّلت الوجه الأشد دمويةً للتطرف الطائفي.
ووفق تقييم بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونيتاد)، فإن ما جرى في سجن بادوش يُصنّف ضمن جرائم الإبادة الجماعية، وجرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، من حيث طبيعة القتل الجماعي، والأسباب الدينية، والوسائل الوحشية التي استخدمها مرتكبو المجزرة الذين كانوا ينتمون لتنظيم د1عش الإرهـ،ـابي وعدد من الجماعات المتحالفة معه، إضافةً إلى دعم تلقّوه من بعض الحراس والسجناء الإرهـ،ـابيين.
المجزرة التي بدأت بعملية اقتحام منسّقة للسجن في 10 حزيران 2014، جرى خلالها فصل السجناء على أسس طائفية، قبل اقتياد المئات إلى حافات الوديان ومواقع صناعية ومناطق معزولة، وإعدامهم ميدانيًا بدم بارد، تخللتها عمليات تعذيب وإهانات طائفية وتجريد من الممتلكات والوثائق الرسمية، وفق روايات الناجين وشهود العيان.
ورغم هول الفاجعة، تميزت هذه المجزرة بصمت رسمي مستمر منذ وقوعها، حيث لم تصدر إدانة واضحة من كبار المسؤولين العراقيين في حينها، وهو ما فسره ذوو الضحايا بأنه نتيجة “نظرة دونية” للسجناء، رغم أن القتل جرى على أساس طائفي لا علاقة له بالقضايا الجنائية أو الأحكام القضائية.
ويؤكد باحثون ومهتمون أن توثيق هذه المجزرة ودراستها بشكل موسّع هو واجب وطني وأخلاقي لحفظ الذاكرة العراقية ومنع تكرار مثل هذه الجرائم، مشددين على ضرورة إجراء مقابلات مع الناجين وذوي الضحايا، والرجوع إلى تقارير الطب العدلي، والتحقيقات القضائية، والوثائق الإعلامية، للكشف عن الحقيقة كاملة.
ويثير تغييب المجزرة إعلاميًا من قبل الجماعات الإرهـ،ـابية، على عكس مجزرة سبايكر مثلًا، تساؤلات حول أسباب تجنّبهم تسليط الضوء عليها، رغم وجود أدلة على تصوير وقائعها. ويشير مراقبون إلى أن ذلك ربما يعود إلى إدراكهم فداحة الجريمة ورفضها حتى ضمن بيئة التطرف.
وقد وثّقت تقارير عدة وقوع المجزرة في ستة مواقع مختلفة حول السجن، بينها وادي بادوش ومصنع الإسمنت وبوابة الشام وعين الجحش. كما أظهرت شهادات أن بعض الناجين تمكنوا من الإفلات عبر التظاهر بالموت، أو الاحتماء بجثث زملائهم، بينما جرى تصفية آخرين بناءً على صور أو رموز مذهبية عُثر عليها في هواتفهم المحمولة.
ورغم تشكيل لجنة حكومية في أيلول 2014 لتوثيق المجزرة وإعداد ملف قانوني لملاحقة مرتكبيها، لم تُعلن نتائج التحقيقات حتى اليوم، فيما يواصل ذوو الضحايا المطالبة بالعدالة والاعتراف الرسمي بحق أبنائهم كـ”شهداء إبادة جماعية”.