أوروبا

بأرقام مفبركة وخطابات تحريضية.. اليمين الفرنسي يصنع فزاعة الإسلام من جديد

بأرقام مفبركة وخطابات تحريضية.. اليمين الفرنسي يصنع فزاعة الإسلام من جديد

في تطور أثار عاصفة سياسية في فرنسا، عاد الجدل حول الإسلام والشباب المسلم إلى الواجهة بعد نشر تقرير جديد لمعهد إيفوب، استغله اليمين المتطرف لشنّ حملة تخويف واسعة، في وقت تؤكد فيه منظمات مجتمع مدني وباحثون مستقلون أن الأرقام تُستخدم خارج سياقها لتبرير سياسات التضييق على المسلمين ووصمهم الجماعي.
التقرير، الذي أُعلن في ذكرى هجمات باتاكلان الإرهـ،ـابية، تحوّل سريعًا إلى منصة سياسية جاهزة للهجوم على الإسلام، رغم أن نتائجه، بحسب مختصين، تعكس حالة اجتماعية معقّدة يعيشها الشباب المسلم في ظل تمييز ممنهج، وليس بوادر “تطرف” كما يروّج الخطاب الرسمي. ومع ذلك، لجأت شخصيات يمينية معروفة إلى تصعيد لافت، مقدّمةً الأرقام بوصفها «إنذارًا وطنيًا»، ومستخدمةً عبارات حادة تُحمّل الإسلام مسؤولية أزمات فرنسا الداخلية.
وفي مواجهة هذا التصعيد، تبرز انتقادات واسعة للطريقة التي توظّف بها بعض القوى السياسية تقارير الرأي العام لبناء سردية حكومية قديمة: سردية تبرر قوانين التضييق على المسلمين، وتعيد إنتاج الصورة النمطية بأن الهوية الإسلامية “تهديد”، رغم أن ملايين المسلمين في فرنسا يعيشون كمواطنين ملتزمين بالقانون، يسهمون في الاقتصاد والمجتمع، ويواجهون في المقابل حملات تشويه متواصلة.
المفارقة التي كشفتها منظمات حقوقية، هي أنّ الحكومة الفرنسية، بدل مكافحة الإسلاموفوبيا المتصاعدة، تواصل تجاهل جذور الاحتقان الاجتماعي: كالبطالة، والتمييز في السكن والعمل، ونقص الفرص التعليمية، وغياب الاعتراف بالتعددية الثقافية. وكلها عوامل تُنتج شعورًا بالعزلة بين الشباب، ثم تُستخدم لاحقًا كذريعة لاتهامهم بـ”الانفصال”.
التقرير الجديد، كما يقول مختصون، لا يتحدث عن “تطرف”، بل عن أزمة ثقة بين جيل ولد ونشأ في فرنسا، ويطالب بحقوقه وهويته الكاملة، فيما تصر الحكومات المتعاقبة على التعامل معه بعقلية أمنية بدلًا من معالجته اجتماعيًا وثقافيًا.
ومع تصاعد خطاب التخويف من الإسلام، تبرز مخاوف حقيقية من أن يقود الإصرار الحكومي على تفسير الأرقام بشكل أحادي إلى مزيد من الانقسام داخل المجتمع الفرنسي. فبدلًا من بناء جسور التعايش، يختار الخطاب السياسي تحميل الدين الإسلامي مسؤولية التصدعات، متجاهلاً أن ملايين المسلمين في فرنسا يعيشون كجزء أصيل من المجتمع، ويسعون كل يوم لإثبات التزامهم بالقيم الإنسانية المشتركة.
وهكذا، يجد الفرنسيون أنفسهم مجددًا أمام مشهد تتكرر فيه الاتهامات، وتُعاد فيه صناعة “الخطر الإسلامي” سياسياً، بينما تكشف الحقائق الميدانية أن المشكلة الحقيقية ليست في الإسلام، بل في السياسات التي تصر على تجاهل دوره الطبيعي في النسيج الفرنسي، وتواصل صناعة خصومة لا وجود لها إلا في خطاب الخوف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى