فرنسا… الإسلاموفوبيا تتحول إلى سياسة مقننة تستهدف المسلمين تحت غطاء العلمانية

فرنسا… الإسلاموفوبيا تتحول إلى سياسة مقننة تستهدف المسلمين تحت غطاء العلمانية
تشهد فرنسا في السنوات الأخيرة تحول الإسلاموفوبيا من ممارسات فردية أو نزعات يمينية متطرفة إلى منظومة سياسية وإعلامية وقانونية مترسخة، تُعيد إنتاج صورة المسلمين كـ”آخر دائم” خاضع للرقابة والاتهام المستمر.
ويشير باحثون إلى أن خطاب العلمانية، الذي نشأ تاريخياً لضمان حرية المعتقد وفصل الدين عن الدولة، بات يُستخدم كأداة إقصائية تركز بشكل خاص على الرموز الدينية الإسلامية. فمنذ عام 2024، اتخذت هذه النزعة مساراً أكثر تشدداً عبر حظر الحجاب والعباءة في المدارس والجامعات وأماكن العمل، في حين تتغاضى السلطات عن رموز دينية أخرى، ما جعل النساء المسلمات في صدارة الاستهداف.
الإعلام الفرنسي عزز هذه المقاربة عبر تغييب أصوات المسلمين، وخصوصاً النساء، وإعطاء مساحة أكبر لشخصيات أمنية وأكاديمية تكرس الخطاب الرسمي. كما يتم استضافة ما يوصفون بـ”المسلمين المعتدلين” لتبرير سياسات الخوف من الإسلام، بينما يتم تجاهل التنوع داخل المجتمع المسلم.
وتتهم منظمات حقوقية السلطات بالتلاعب في الأرقام الرسمية حول جرائم الكراهية ضد المسلمين، وتقليل حجمها بما يخلق انطباعاً مضللاً بأن المسلمين يبالغون في الإحساس بالاضطهاد، فيما يجري ربط مظاهر التدين العادي بالتهديد “الإسلاموي”، الأمر الذي يشرعن المراقبة الأمنية الجماعية. كما أغلقت السلطات عدداً من المنظمات المستقلة التي كانت توثق هذه الانتهاكات.
ويعتبر مراقبون أن هذه الممارسات تعكس شكلاً من “العنصرية الهيكلية”، إذ يُنظر إلى المسلمين كجماعة غير قابلة للاندماج بسبب هويتهم الدينية. النساء المسلمات هن الأكثر تضرراً من هذه السياسات عبر القوانين التقييدية والعنف اللفظي والجسدي، فضلاً عن استبعادهن من النقاشات العامة حول قضاياهن.
وعلى الرغم من أن اليمين المتطرف يعد أبرز مروجي الخطاب المعادي للمسلمين، فإن قطاعات من اليسار العلماني تبنت مواقف مشابهة، ما جعل مختلف الأطياف السياسية تلتقي حول فكرة أن المسلمين يشكلون “مشكلة” يجب ضبطها، مع تباين الأساليب بين المقاربة الأمنية أو الثقافية. هذا الواقع دفع عدداً متزايداً من الشباب المسلمين، وخصوصاً المتعلمين، للتفكير بالهجرة إلى دول إسلامية أو بلدان أوروبية أكثر تسامحاً، ما يعكس عمق الأزمة الداخلية ويثير تساؤلات حول مستقبل مبادئ الحرية والمساواة والأخوة التي ترفعها الجمهورية الفرنسية.
ويرى محللون أن مواجهة هذه الظاهرة تتطلب الاعتراف بها كإشكال بنيوي، ورسم حدود واضحة بين النقد المشروع للأفكار المتطرفة والتمييز ضد مجتمع كامل، مع تمكين المسلمين -نساءً ورجالاً- من المشاركة الفاعلة في صياغة السياسات العامة بدلاً من الاكتفاء بجعلهم موضوعاً للجدل والمراقبة.