الأمم المتحدة في ذكراها الثمانين.. مسؤولية الانهيار بين شلل المنظمة وهيمنة الدول الكبرى

الأمم المتحدة في ذكراها الثمانين.. مسؤولية الانهيار بين شلل المنظمة وهيمنة الدول الكبرى
مع حلول الذكرى الثمانين لتأسيس الأمم المتحدة، يعود الجدل مجدداً حول دور هذه المنظمة الدولية وقدرتها على أداء رسالتها في تحقيق السلام والتنمية وحماية حقوق الإنسان. فبينما تحتفل نيويورك هذا الشهر بالجمعية العامة السنوية، يغرق العالم أكثر في الحروب والأزمات من غزة إلى السودان وأفغانستان وهايتي وإفريقيا وحتى أوروبا، ويزداد شعور الناس بالخوف وغياب الأمان.
غير أن السؤال الأهم لم يعد يتعلق بضعف المنظمة الأممية فحسب، بل بمن تقع المسؤولية عن هذا الفشل المزمن؟ فالأمم المتحدة نفسها، بمسؤوليها وأجهزتها، لا تنكر عجزها، بل تعترف به يومياً. غير أن العطب يكمن في آليات عملها منذ لحظة تأسيسها، حين وُضع القرار الدولي بيد الدول الكبرى التي تتحكم بمجلس الأمن وتمنع أي إصلاح حقيقي، متعمدة تجاهل النقاش حول إنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان.
ويزيد المشهد قتامة أن الدول الكبرى نفسها هي من تغذّي الأزمات وتكرّس الانقسامات، بينما تبقى الأمم المتحدة مجرد منصة للرجاء والتنديد دون أدوات نفوذ حقيقية. أما دول الجنوب، الضحية الأولى لهذا الإخفاق، فهي تكتفي بالمشاهدة والشكوى، من دون أن تتحرك لفرض إصلاحات تضمن لها نصيباً من القرار.
شعار الدورة الثمانين للجمعية العامة هذا العام: «بالعمل معاً نحقق الأفضل.. 80 عاماً وأكثر من أجل السلام والتنمية وحقوق الإنسان»، بدا رومنسياً إلى حد التناقض مع واقع حال المنظمة، إذ يعيش العالم على شفير حرب عالمية ثالثة، فيما الحقوق تُنتهك والتنمية تتراجع.
وجاء القرار الأمريكي الأخير بمنع وفد منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية من دخول الأراضي الأمريكية للمشاركة في الجمعية العامة ليكشف عن أخطر أوجه العجز الأممي. ففي عام 1988، حين منعت واشنطن الراحل ياسر عرفات من الحضور، امتلكت الأمم المتحدة شجاعة نقل اجتماعاتها إلى جنيف، أما اليوم فقد استسلمت تماماً لإرادة الإدارة الأمريكية، التي وضعت وزارة خارجيتها في خدمة إسرائيـ،ـل.
هذا الخضوع يفتح الباب أمام سوابق خطيرة قد تتكرر في المستقبل، ليس فقط من واشنطن، بل أيضاً من أي دولة تستضيف مقار المنظمات الدولية. عندها ستفقد الأمم المتحدة ما تبقى من حيادها، وتتحول تدريجياً إلى رهينة إرادات الدول الكبرى.
إن ما يهدد الأمم المتحدة اليوم ليس فقدانها القدرة على الفعل فقط، بل انحدارها إلى مجرد واجهة بيد القوى الكبرى. وإذا لم تتحرك الدول الصغيرة والفقيرة بسرعة للمطالبة بإصلاح جذري، فإن المنظمة الأممية قد تنهار عملياً، ويترك العالم لمصير غابةٍ لا مكان فيها إلا للأقوياء، فيما يدفع الضعفاء الثمن.