اليمن

آثار اليمن والحرب: الدولة الغائبة أمام نهب وتدمير التراث

آثار اليمن والحرب: الدولة الغائبة أمام نهب وتدمير التراث

مع استمرار الحرب في اليمن، لم تقتصر الخسائر على الأرواح والممتلكات، بل امتدت لتطال الذاكرة الثقافية والحضارية للبلد، في ظل أعمال ممنهجة من نهب وتدمير المواقع الأثرية والمتاجرة بالآثار، مستغلةً حالة اللادولة والانقسام بين أطراف النزاع.
ويمثل عام 2025 امتدادًا لسنوات الحرب السابقة، حيث رصدت تقارير محلية ودولية تصاعدًا في تخريب المواقع الأثرية ونهبها وتهريبها، بما يشكل تهديدًا مباشرًا لذاكرة اليمن وروايته التاريخية. وقال الباحث اليمني عبدالله محسن، المختص بتتبع الآثار المهربة، إن الإهمال السابق كان قابلًا للترميم، لكن المحو الذي أعقب الحرب يجعل استعادة الذاكرة شبه مستحيلة، ويترك الباب مفتوحًا لروايات خارجية قد لا تنصف الحضارة اليمنية.
وأدى الفقر المستشري، خاصة في المناطق القريبة من المواقع الأثرية، إلى اتساع ظاهرة الاتجار بالآثار من قبل السكان كوسيلة للبقاء، ما ساهم في انخفاض الأسعار محليًا وزيادة المعروض. في المقابل، ارتفع الطلب الخارجي على الآثار اليمنية، لا سيما من تجار في الصين وشرق آسيا، عبر شبكات وساطة إقليمية.
وثّق محسن حالات عديدة من التخريب الممنهج خلال العام، منها: إقامة مبانٍ ومصلى داخل حصن المقرانة الأثري بالجوف، تدمير أجزاء من مدينة البيضاء الأثرية، تفجير موقع قبة مريم العذراء في الضالع، وتدمير مستوطنة أثرية في جبل القانع بمحافظة صنعاء، إضافة إلى الحفر والتخريب في موقع العصيبية الأثري بإب.
كما أدت الحرب إلى تدهور وضع المتاحف اليمنية، التي تعاني من نقص في الحماية والموازنات التشغيلية، وتعرض بعضها للقصف المباشر، كما حصل مع متحف ذمار الإقليمي ومتحف تعز الوطني، إضافة إلى أضرار لحقت بالمتحف الوطني بصنعاء جراء قصف في سبتمبر 2025، ما أثر على مئات القطع الأثرية. وأشار محسن إلى أن عدد القطع الأثرية المفقودة أو المهربة يصل إلى نحو 23,308 قطعة، تشمل شواهد قبور وتماثيل ونقوش وحلي وقطع ذهبية وعملات أثرية.
وبينما تواصل عصابات التهريب أعمالها بحرية شبه كاملة، أشار محسن إلى عمليات تهريب كبيرة إلى الخارج، مثل نقل قطعتين أثريتين من معبد أوام في مأرب إلى منفذ في المهرة، إضافة إلى بيع لفائف توراة يمنية نادرة في نيويورك عام 2025، تعود أقدم رقوقها للفترة بين 1425 و1450م. وتقدر القيمة الاقتصادية المحتملة للإتجار غير المشروع بآثار اليمن بين 10 و20 مليون دولار سنويًا، مع وصول جزء كبير منها إلى الأسواق الأوروبية.
وأكد محسن أن الدولة الغائبة تتحمل المسؤولية الكاملة عن هذا النزيف، داعيًا إلى وضع استراتيجية وطنية شاملة لحماية التراث تشمل تعديل قانون الآثار، إعادة هيكلة هيئة الآثار والمتاحف، تشكيل مجلس أعلى للآثار، إنشاء قاعدة بيانات وطنية، حماية المواقع الأثرية، وتدريب ضباط الجمارك، مؤكدًا أن الخطوة الأساسية قبل ذلك هي وقف الحرب.
ويشير الوضع الحالي إلى أن خسائر اليمن الثقافية تتجاوز مجرد فقدان القطع الأثرية، لتطال ما يمثله التراث من ذاكرة وطنية وروح حضارية، تهدد استمرارية سرديته التاريخية وتفكك الاتصال بين اليمنيين وجذورهم التاريخية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى