نهب ممنهج للآثار في سوريا وسط انهيار أمني وانتشار الفقر

نهب ممنهج للآثار في سوريا وسط انهيار أمني وانتشار الفقر
تواجه المواقع الأثرية في سوريا موجة جديدة من النهب والتخريب، في ظل انهيار النظام الأمني وتفشي الفقر الذي يطال أكثر من 90% من السكان، بحسب تقديرات حديثة. وشهدت مناطق عدة، أبرزها مدينة تدمر التاريخية، أعمال تنقيب عشوائية داخل المقابر والمواقع الأثرية، بهدف استخراج قطع أثرية وبيعها في السوق السوداء.
وتحوّلت مقابر تعود لأكثر من ألفي عام إلى حفر عميقة شَوَّهت معالم المدينة التي كانت رمزًا للحضارة الرومانية في الشرق، في مشهد يعكس حجم التهديد الذي يطال التراث الثقافي السوري.
ويشير مختصون في التراث إلى أنّ هذه الأنشطة العشوائية تدمّر الطبقات الأثرية المتراكمة، مما يجعل من المستحيل على علماء الآثار إعادة بناء التسلسل الزمني للتاريخ المحلي.
وبحسب مشروع ATHAR المختص بتوثيق تهريب الآثار، فإن ثلث حالات النهب التي رُصدت منذ عام 2012 وقعت خلال الأشهر القليلة الماضية فقط، ما يعكس تصاعدًا غير مسبوق في هذه العمليات، بعد الانهيار الكامل للضوابط الأمنية.
ويصف باحثون الحالة الراهنة بأنها أقرب إلى “حمى ذهب” أثري، إذ تتسابق جهات متعددة لاستخراج كل ما يمكن بيعه من فسيفساء وتماثيل وعملات قديمة، في بلد يزخر بإرث حضاري عميق يقع في قلب الهلال الخصيب.
وفي الوقت ذاته، تحولت منصات التواصل الاجتماعي، ولا سيما فيسبوك، إلى سوق مفتوحة لبيع الآثار المسروقة، حيث تنتشر مجموعات علنية وخاصة تروّج لبيع قطع أثرية تعود لمناطق مختلفة من سوريا، وتضم هذه المجموعات آلاف الأعضاء، رغم حظر المنصة الرسمي لمثل هذا النشاط منذ عام 2020.
وتوثّق منظمات مختصة مئات المنشورات ومقاطع الفيديو التي تعرض آثارًا سورية للعرض والبيع، بينها فسيفساء نادرة وألواح حجرية ثقيلة. ويجري تهريب هذه القطع إلى دول الجوار ومنها إلى أسواق الفن العالمية، حيث تدخل في دور مزادات بعد تزييف مستندات مصدرها.
ورغم توثيق الانتهاكات بمواد مرئية منشورة على المنصات الرقمية، فإن الحظر المعلن من قبل فيسبوك على بيع الآثار لا يُطبَّق بفعالية، ما يثير تساؤلات حول دور المنصات في تسهيل هذا النوع من الجرائم الثقافية.
ويحذر خبراء من أن غياب الأمن، وتدهور الأوضاع المعيشية، يجعل من الصعب منع السكان المحليين من المشاركة في عمليات النهب. ويرون أن المسؤولية الأكبر تقع على عاتق الدول الغربية التي تشكّل الأسواق الرئيسة لشراء هذه الآثار، مطالبين بخطوات أكثر صرامة لوقف الطلب وتجفيف منابع التهريب.
في ظل هذا الواقع، تُهدَّد الذاكرة الحضارية لسوريا بفقدان لا رجعة فيه، فيما تتوالى التحذيرات من كارثة ثقافية قد يصعب تعويضها لأجيال قادمة.