التعليم في كشمير.. جيل كامل تحت حصار العسكرة والهوية المهددة

التعليم في كشمير.. جيل كامل تحت حصار العسكرة والهوية المهددة
كشف تقرير حديث صادر عن “كشمير للخدمات الإعلامية” أن التعليم في إقليم جامو وكشمير المحتل يواجه واحدة من أعقد الأزمات في تاريخه، حيث تحوّلت المدارس والجامعات من أماكن للعلم إلى ساحات تخضع لهيمنة أمنية صارمة. وأكد التقرير أن عسكرة التعليم لم تعد مجرد إجراءات أمنية، بل أصبحت سياسة منظمة تهدف إلى تقييد حرية الطلاب، وإشاعة الخوف، وتحويل المؤسسات التعليمية إلى مساحات غير آمنة.
يتزامن ذلك مع احتفال العالم باليوم العالمي لمحو الأمية، في وقت يعيش فيه مئات الآلاف من الأطفال والشباب الكشميريين واقعًا مناقضًا تمامًا لهذه الشعارات. فبينما يفترض أن يكون التعليم جسرًا نحو التنمية والسلام، بات في كشمير رهينة لصراع سياسي مستمر منذ أكثر من سبعة عقود، وأداة لطمس الهوية الثقافية والدينية للسكان.
منذ إلغاء حكومة ناريندرا مودي للوضع الخاص لجامو وكشمير في أغسطس 2019، شهد قطاع التعليم تدهورًا حادًا، تمثل في إغلاق مئات المدارس التي كانت تديرها منظمات محلية، ما حرم آلاف الأطفال من حقهم الأساسي في التعلم. كما أصبحت الطرق المؤدية إلى المدارس والكليات مليئة بنقاط التفتيش العسكرية، بينما تُداهم منازل الطلاب بحجة “الأمن”، ما يجعل الذهاب إلى المدرسة مغامرة يومية محفوفة بالمخاطر.
وقال الناشط الكشميري محمد أفتاب إن ما يجري يتجاوز التضييق على المؤسسات التعليمية، مؤكداً أن «الهند تسعى لإنتاج جيل منزوع الهوية والانتماء»، في انتهاك صارخ للمادة 26 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تضمن حق كل فرد في التعليم. وأشار إلى أن هذه السياسات تمثل محاولة ممنهجة لطمس هوية جيل كامل من الكشميريين.
التقرير سلّط الضوء كذلك على فضائح متكررة في الامتحانات، كان آخرها في أغسطس 2025، حيث هزت كشمير فضيحة تسريب امتحان هيئة اختيار خدمات جامو وكشمير (JKSSB) لمهندسين كهربائيين، إذ انتشرت مقاطع فيديو تظهر متقدمين يستخدمون الهواتف للإجابة على الأسئلة علنًا. واعتبر الطالب الجامعي ثاقب جان أن الامتحانات «تحولت إلى سيرك سنوي من الغش والتسريبات»، مضيفًا أن الشباب الكشميري «عالق في حلقة فساد وانهيار أخلاقي، بينما المسؤولون يفلتون من المحاسبة».
منذ عام 2020، ارتبطت معظم الامتحانات في الإقليم بفضائح مماثلة، ما أفقد الطلاب الثقة في النظام التعليمي وأدى إلى تفاقم الإحباط، خصوصًا مع ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب، وهي الأعلى على مستوى البلاد. هذا الارتباط بين انهيار التعليم وتفاقم البطالة يخلق حلقة مفرغة، تدفع بعض الشباب إلى الهجرة غير الشرعية أو الانخراط في أنشطة غير قانونية.
جانب آخر من الأزمة يتمثل في محاولة الحكومة الهندية إعادة صياغة المناهج الدراسية بما يتوافق مع أيديولوجية منظمة “راشتريا سوايامسيفاك سانغ” (RSS). ويُجبر الطلاب الكشميريون على ترديد أناشيد هندوسية والتعرف على رموز “الهندوتفا”، وهو ما اعتبره النائب المعارض آغا روح الله مهدي «محاولة ممنهجة لتذويب الثقافة الإسلامية الكشميرية واستبدالها برواية قومية هندوسية»، محذرًا من أن هذا النهج يشكل اعتداءً مباشرًا على التنوع الديني والثقافي في المنطقة.
وأشارت منظمة “هيومن رايتس ووتش” في تقريرها السنوي إلى أن الوضع التعليمي في كشمير يمثل «واحدًا من أوضح الأمثلة على انتهاك الحق في التعلم تحت الاحتلال»، معتبرة أن عسكرة المدارس، وإغلاق المؤسسات التعليمية، وتسييس المناهج، كلها انتهاكات خطيرة لحقوق الطفل. كما شددت اللجنة الباكستانية لحقوق الإنسان على ضرورة تدخل المجتمع الدولي، مؤكدة أن «حرمان جيل كامل من التعليم جريمة طويلة الأمد ستهدد استقرار المنطقة بأسرها».
وحذر السياسي الكشميري وحيد بارا من التداعيات المستقبلية لهذه الأزمة، قائلاً: «الطلاب الذين يُحرمون من التعليم الجيد هم أنفسهم الذين سيواجهون الفقر والبطالة لاحقًا. هذه السياسة الممنهجة ستدفع جيلًا كاملًا نحو التهميش، ما قد يؤدي إلى اضطرابات أكبر في المستقبل».
من جهته، أكد الخبير السياسي الباكستاني د. فخر الحق أن أزمة التعليم في كشمير لا يمكن فصلها عن النزاع السياسي الأوسع، موضحًا أن «حق التعليم سيظل رهينة للعسكرة ما لم يتم التوصل إلى حل سياسي عادل لقضية كشمير»، وداعيًا إلى تطبيق قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بحق تقرير المصير للشعب الكشميري.
يخلص التقرير إلى أن مستقبل جيل كامل من أطفال وشباب كشمير يقف على حافة الهاوية، في ظل عسكرة المدارس، وفضائح الامتحانات، ومحاولات طمس الهوية. وبينما يرفع العالم شعارات “التعليم للجميع”، تظل مدارس كشمير فارغة، وأحلام طلابها مكسورة، ما يستدعي تحركًا دوليًا عاجلًا لحماية أبسط حقوقهم الإنسانية: الحق في التعليم.