الإسلام يعيد تشكيل الهوية العالمية… من الدولة القومية إلى الدولة الحضارية

صحيفة “داون” الباكستانية: الإسلام يعيد تشكيل الهوية العالمية… من الدولة القومية إلى الدولة الحضارية
في طرح فكري لافت يعيد ترتيب الأسئلة حول الهوية والدولة في العصر الحديث، نشرت صحيفة داون الباكستانية شبه الرسمية، بتاريخ 29 حزيران 2025، مقالاً افتتاحيًا للكاتب المعروف نديم باراشا، تناول فيه بعمق المفارقة الكبرى بين نموذج “الدولة القومية” الغربية، وصعود مفهوم “الدولة الحضارية” ذات الجذور الدينية والثقافية، مركزًا على الإسلام كإطار جامع يعيد رسم معالم الانتماء في عالم ممزق.
وسلط باراشا الضوء على تشكّل فكرة “الأمة الإسلامية” في جنوب آسيا، بوصفها ردًّا حضاريًا على انهيار الحكم الإسلامي وصعود الاستعمار الأوروبي، مبيّنًا أن الشعوب المسلمة، خصوصًا في شبه القارة الهندية، لم تستوعب مفهوم الدولة القومية الغربية باعتباره امتدادًا لهويتها، بل سعت إلى تأسيس كيان يعيد لها سيادتها الدينية والثقافية، ويصون قيمها في مواجهة التحديث القسري القادم من الغرب.
وربط المقال هذا المسار التاريخي بتحوّلات الحاضر، حيث أشار إلى صعود نماذج لدول “حضارية” تستلهم من تراثها الثقافي والديني في بناء هويتها المعاصرة، ترفض الانصهار في مفاهيم العولمة “المعلّبة”، وتقدم نفسها كحضارات متمايزة في وجه خطاب كوني يدّعي الحياد، لكنه يخفي خلفه مركزية غربية.
وتساءل باراشا بصراحة: هل تمتلك باكستان الشجاعة لإعادة اكتشاف ذاتها كدولة حضارية إسلامية؟ دولة توفّق بين روح الإسلام الأولى، وتراث نهر السند العريق، أم أنها ستواصل الارتهان لسرديات مستوردة ترى في التعددية والعلمانية نهاية التاريخ ونهاية الهوية؟
وحذّر المقال من مغبّة توظيف مفاهيم الهوية الحضارية سياسيًا لصناعة أساطير تبرر القمع والإقصاء، مؤكدًا أن الإسلام، إذا فُهم كحضارة أخلاقية عالمية تقوم على العدل والرحمة والمساواة، يمكن أن يكون نموذجًا بديلًا يُلهم عالمًا تائهًا بين التصادم الثقافي والانهيار القيمي.
بهذا الطرح الجريء، أعادت صحيفة داون فتح النقاش حول موقع الإسلام في مستقبل العالم، ودوره كجسر بين الخصوصية والإنسانية، في لحظة فارقة يتصاعد فيها الخوف من الذوبان الثقافي وتتشظى فيها المفاهيم الحديثة للدولة والانتماء.