العراق

السلوك الرقمي في العراق… وباءٌ صامت يهدد الأجيال ويُعيد تشكيل المجتمع

السلوك الرقمي في العراق… وباءٌ صامت يهدد الأجيال ويُعيد تشكيل المجتمع

سلّط مقالٌ تحليلي للشيخ مرتضى معاش -خلاصة حوار أُجري في إذاعة كربلاء التابعة لشبكة الإعلام العراقي- الضوء على التحوّل الرقمي الهائل الذي يجتاح العالم والعراق، وما يرافقه من تأثيرات نفسية واجتماعية عميقة، اعتبرها الخبراء جرس إنذار مبكراً لـ“وباء الأمراض العقلية” المرتبط بالإفراط في استخدام التكنولوجيا وشبكات التواصل، خصوصاً بين الأطفال والمراهقين.
ويؤكد المقال أن التحوّل الرقمي لم يعد مجرد تطور تكنولوجي، بل انقلاب ثقافي وتربوي لم تُدرس تبعاته بما يكفي، مشيراً إلى مفاهيم جديدة وخطيرة مثل صدمة المستقبل، التوحد الافتراضي، وتعفن الدماغ، وهي مصطلحات تعكس الانهيارات النفسية الناتجة عن التمرير اللامتناهي للمحتوى السطحي وسيطرة الأجهزة على الوعي والسلوك.
التكنولوجيا سلاح خطير بلا “تربية رقمية”
يشدد الشيخ معاش على أن المشكلة ليست في التكنولوجيا ذاتها، بل في سوء استخدامها وغياب “التربية الرقمية” لدى الكبار قبل الصغار، موضحاً أن الكثير من الآباء يمنحون أبناءهم الأجهزة بدافع التسلية، من دون إدراك أن هذه الخطوة قد تقود إلى إدمان رقمي، اضطرابات في العين، توحد افتراضي، وانفصال عن الواقع.
ويشير المقال إلى أن الأطفال اليوم يتعرضون لجرعات مكثفة من المؤثرات الرقمية، في ظل غياب وعي تربوي يحدد وقت الاستخدام وآثاره. ومع تفاقم الأزمة، بدأت دول مثل أستراليا بحظر شبكات التواصل عن من هم دون السادسة عشرة، استجابة لمخاوف عالمية من “الجيل المضطرب”.
عزلة اجتماعية ومؤثرون يصنعون واقعاً مضللاً
ويحذر المقال من أن العلاقات الاجتماعية أصبحت هشة بفعل العالم الافتراضي، حيث يعيش الإنسان “وحيداً مع الآخرين”: متصلاً بالآلاف عبر الإنترنت، ومعزولاً عن أسرته ومحيطه. كما يتطرق إلى ظاهرة المؤثرين الذين يضخمون ذواتهم من خلال المحتوى الهابط والشائعات لجذب المتابعين، ما يعيد إنتاج “الصحافة الصفراء” ولكن بصيغ رقمية أكثر خطورة.
مسؤولية كبرى في مواجهة “التزييف العميق”
وفي ظل انتشار الأخبار الكاذبة وظهور تقنيات التزييف العميق للصوت والصورة، يؤكد الشيخ معاش أن المستخدم بات أمام مسؤولية شرعية وأخلاقية قبل إعادة نشر أي معلومة، مستشهداً بالآيات القرآنية التي تحث على التثبت والتحقق من الأخبار.
كيف يمكن حماية الجيل الجديد؟
يدعو المقال إلى بناء مشروع وطني شامل يقوم على:
تأسيس ثقافة رقمية تبدأ من المدارس والمساجد والمؤسسات الاجتماعية.
برامج تدريبية للآباء والأمهات لفهم مخاطر الاستخدام المفرط للأجهزة.
وضع مناهج تربوية رقمية تساعد الأطفال على الاستخدام الآمن والمتوازن.
التخفيف من الاعتماد على الشاشات، وإعادة الأطفال إلى اللعب الطبيعي والحركة والاختلاط الاجتماعي.
كما يحذر من أن الإدمان الرقمي يوازي في خطورته الإدمان على المخدرات، مؤكداً أن الكثير من مشكلات النوم، السمنة، ضعف المناعة، الاكتئاب والقلق، ترتبط مباشرة باستخدام الأجهزة لساعات طويلة، خاصة خلال الليل.
دعوة إلى المجتمع والدولة
وفي ختام مقاله، يوجه الشيخ معاش رسالة واضحة:
“أنقذوا أبناءكم… فالمستقبل يبدأ من طفولة سليمة.”
ويشدد على أن الدولة تتحمل مسؤولية كبرى في نشر الوعي وتقليل الكلفة الصحية والنفسية الهائلة الناتجة عن سوء الاستخدام الرقمي، بينما يقع على الأسر واجب اكتساب الثقافة الرقمية أولاً، لحماية أبنائها من الانزلاق نحو عالم افتراضي يهدد قيمهم وهويتهم ومستقبلهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى