العراق

تفاقم التلوث في العراق وسط معاناة يومية للسكان ومساعٍ حكومية متعثّرة لإيجاد حلول مستدامة

تفاقم التلوث في العراق وسط معاناة يومية للسكان ومساعٍ حكومية متعثّرة لإيجاد حلول مستدامة

يتصاعد القلق الشعبي والرسمي في العراق إزاء تزايد مستويات التلوث البيئي، مع اتساع الظاهرة وانتشارها أفقيًا في عدد من المحافظات، ما يفاقم المخاطر الصحية على السكان ويكشف في الوقت نفسه عن تلكؤ واضح في مسار البحث عن حلول جذرية ومستدامة.
ففي العاصمة بغداد، شهدت الأيام الماضية موجة خانقة من الدخان بالتزامن مع الفعالية الجوية التي ضربت البلاد، ناجمة عن حرق النفايات في مناطق محيطة بالعاصمة، مما أدى إلى ارتفاع معدلات التلوث بشكل خطير. أما في كربلاء، فقد تكررت حالات حرق النفايات في مواقع غير مرخصة بيئيًا، خصوصًا في الأحياء الغربية، وسط مخاوف الأهالي من تأثيرها المباشر في الصحة العامة ونوعية الهواء.
وشكا سكان محليون من تسلل الروائح والدخان إلى المنازل رغم إغلاق الأبواب والنوافذ، فيما وصف عدد منهم الوضع بأنه أصبح جزءًا من معاناتهم اليومية. المواطن جعفر حمزة أكد أن بيته «يصحو ويمسي» على رائحة الدخان، أما العامل علي حسين فأشار إلى أن الدخان يؤثر في عمله، قائلاً إنه يهرب من مكان رزقه فقط ليجد الدخان قد سبقه إلى منزله. وفي السياق نفسه، قالت أم زهراء، وهي امرأة مسنّة تعاني الربو، إنها أصبحت بحاجة يومية لجهاز الاستنشاق بسبب سوء نوعية الهواء.
من جانبها، أوضحت مديرية البيئة في كربلاء أن السبب الرئيس يعود إلى مواقع الطمر العشوائية التي تُستخدم دون مراعاة المعايير البيئية، مؤكدة أن انبعاثات الدخان ناتجة في الغالب عن قيام بعض جامعي النفايات بحرقها بحثًا عن المعادن. مدير البيئة، حامد اليساري، بيّن أن المشكلة عامة على مستوى العراق، مشددًا على الحاجة الملحة إلى مشروع طمر صحي متكامل يشمل منظومة جمع وفرز وتدوير.
وفي ظل تفاقم الأزمة، تتجه الحكومة إلى تبني مشاريع جديدة للحد من التلوث. إذ كشفت أمانة بغداد عن دراسة مشروع متكامل لإدارة النفايات مقدم من شركة ألمانية متخصصة، يهدف إلى إدخال تقنيات حديثة تقلل التلوث وتعزز مفهوم إعادة التدوير. المتحدث باسم الأمانة، عدي الجنديل، أوضح أن الأمانة تستعد أيضًا لإطلاق مشروع استثماري في قضاء أبي غريب يعتمد تحويل النفايات إلى طاقة، فيما يواصل العمل في مشروع خلية الطمر البيئي الذي بلغت نسبة إنجازه إحدى وثمانين بالمئة، بطاقة معالجة تصل إلى ألف طن يوميًا.
وفي سياقٍ موازٍ، أعلنت وزارة البيئة عن مشروع وطني واسع لمعالجة الملوثات الخطرة والمواقع الملوثة كيميائيًا، بتمويل من مرفق البيئة العالمي وبإشراف البنك الدولي. المتحدث باسم الوزارة، لؤي المختار، أكد أن المشروع يتعامل مع أربعة آلاف طن من النفايات الخطرة، ويتضمن جرد المبيدات المحظورة، وجمع العبوات الفارغة، ومعالجة زيوت المحولات الكهربائية المصنفة من أخطر الملوثات عالميًا، فضلًا عن دعم مختبرات الفحص وتطوير القدرات الوطنية في مجال الرقابة البيئية.
ورغم هذه الجهود، لا تزال الحلول بعيدة عن تلبية الحاجة الملحة لمعالجة التلوث المتنامي، في ظل اعتماد أغلب المدن على طرق طمر عشوائية، وغياب منظومات تدوير فعّالة، واستمرار الممارسات غير القانونية في التعامل مع النفايات. ويؤكد مختصون أن معالجة الأزمة تتطلب إرادة تنفيذية واضحة وخططًا طويلة الأمد قادرة على مواكبة النمو السكاني والعمراني، وضمان بيئة صحية وآمنة للمواطنين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى