العراق

آوروك.. مهدُ الكتابة في بلاد الرافدين يكشف جزءًا من أسراره وينتظر اكتشاف ما تبقى

آوروك.. مهدُ الكتابة في بلاد الرافدين يكشف جزءًا من أسراره وينتظر اكتشاف ما تبقى

لا تزال مدينة آوروك السومرية، إحدى أهم حواضر العالم القديم، تكشف طبقاتها العميقة رغم مرور أكثر من قرن على أولى أعمال التنقيب فيها، فيما يؤكد خبراء الآثار أن ما جرى اكتشافه حتى اليوم لا يمثل سوى 15% فقط من مساحتها الكاملة، ما يترك 85% من هذا الإرث الحضاري مطمورًا تحت الرمال بانتظار جهود علمية أوسع.
وتُعد آوروك، الواقعة في محافظة المثنى، شاهدًا فريدًا على بدايات الحضارة في بلاد الرافدين، حيث شهدت نشوء أولى الكتابات البشرية، وابتكار العجلة، وتطور العمارة الدينية، وتشكّل أنظمة سياسية وإدارية مبكرة يعود تاريخها إلى الألفين الرابع والخامس قبل الميلاد.
ويقول مدير الآثار والتراث في المثنى، سلوان الأحمر، إن المنقبين حتى الآن لم يلامسوا سوى “القشرة السطحية” للمدينة، موضحًا أن تعقيد طبقاتها العمرانية، الممتدة لآلاف السنين، يجعل عملية الكشف الكامل عنها تحتاج لعقود طويلة. ويشير الأحمر إلى تفرّد آوروك بوجود زقورتين: زقورة إيانا المرتبطة بمعبد الإلهة عشتار، وزقورة آنو المشيدة فوق المعبد الأبيض، ما يعكس مكانتها الدينية والسياسية في ذلك الزمن.
وخلال العقود الماضية، أسفرت الحفريات، خصوصًا الألمانية منها، عن كشف نصوص مبكرة من الكتابة السومرية التي أرّخت لنشوء الإدارة والتنظيم الاقتصادي في العراق القديم. ويرى الأحمر أن الكتابة والعجلة، اللتين ظهرتا في آوروك عبر ثلاث مراحل تطورية، تمثلان أهم منجزين أثّرا في مسار الحضارة الإنسانية.
وفي تطور جديد، أعلن مجلس محافظة المثنى العثور على مدينة صناعية تحت طبقات آوروك يعود عمرها إلى نحو خمسة آلاف عام. وقال عضو المجلس عقيل العيساوي إن العمل متواصل لكشف تفاصيل هذا الاكتشاف، مشيرًا إلى أن المحافظة تضم “كنوزًا أثرية هائلة” يجري العمل على استثمارها لتعزيز القطاع السياحي.
وتشير الدراسات إلى أن النماذج الأولى للعجلة التي عثر عليها في آوروك كانت مصنوعة من الخشب الصلب، قبل أن تتطور لاحقًا لتدخل في وسائل النقل والزراعة والعربات الحربية. أما الكتابة، فبدأت بصور بسيطة قبل أن تتحول إلى العلامات المسمارية التي شكلت أساس الكتابات البابلية والآشورية.
وفي عام 2016، أدرجت منظمة اليونسكو آوروك على لائحة التراث العالمي، تقديرًا لقيمتها الإنسانية ودورها المحوري في نشوء الحضارة، لاسيما ارتباطها باسم الملك كلكامش، بطل أشهر ملاحم الأدب القديم.
ويؤكد الباحث في التاريخ القديم مؤيد فزاع أن آوروك شهدت نشوء أول عمارة دينية منظمة، وأن معابد إنانا وآنو لم تكن مراكز للعبادة فقط، بل مؤسسات سياسية واقتصادية أدارت شؤون المدينة وأسهمت في تطور الفنون. فيما يوضح خبير الآثار رائد العوادي أن الطبقات السفلية للمعابد قد تغيّر الفهم الحالي لنشوء السلطة، مضيفًا: “لدينا مؤشرات على مراحل معمارية أقدم مما هو معروف، وإذا تأكدت، فإن تاريخ جنوب العراق سيُعاد كتابته.”
ورغم الاكتشافات المهمة، يرى الخبراء أن آوروك ما تزال تبوح بجزء يسير من أسرارها، وأن ما خُفي تحت الأرض قد يكشف يومًا مواد أثرية قادرة على إعادة كتابة تاريخ وادي الرافدين من جديد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى