العراق

جرائم البعث بحق الأطفال في تقارير العفو الدولية.. سرديات دامية توثّق أحد أكثر فصول الانتهاكات قسوة في العراق

جرائم البعث بحق الأطفال في تقارير العفو الدولية.. سرديات دامية توثّق أحد أكثر فصول الانتهاكات قسوة في العراق

قدّمت منظمة العفو الدولية، خلال عقود من المتابعة والتحقيق، واحداً من أهم الأرشيفات الحقوقية التي كشفت جانباً مظلماً من جرائم نظام البعث في العراق، ولا سيما الجرائم التي طالت الأطفال، والتي تُعدّ من أبشع ما وثّقته المنظمة على المستوى الإنساني والقانوني والاجتماعي. فالتقارير التي صدرت تباعاً عن المنظمة، ومعها وثائق الأمن العامة وسجلات السجون واعترافات كبار المسؤولين البعثيين، أظهرت حجم الانتهاكات التي تعرّض لها الأطفال منذ سبعينيات القرن الماضي وحتى سقوط النظام عام 2003.
وتشير هذه الوثائق إلى أن الطفل العراقي لم يكن مجرد ضحية جانبية للسياسات القمعية، بل كان هدفاً مباشراً في كثير من الأحيان، عبر ممارسات ممنهجة شملت القتل والتعذيب والاختفاء القسري والتجنيد العسكري القسري، إضافة إلى الحرمان من الحقوق الأساسية في الصحة والرعاية والتعليم.
وبحسب تقارير العفو الدولية، فقد اتجه النظام إلى عسكرة البيئة التعليمية والتربوية للأطفال، وتحويل المدارس إلى ساحات للتدريب العسكري الإجباري، إلى جانب استخدامهم كورقة ضغط على عائلاتهم، عبر الاعتقال أو التعذيب أو الإعدام، كما حدث مع أطفال عائلة آل طعمة في كربلاء الذين قُتلوا بالتيزاب، وفق ما وثقته المنظمة.
كما وثقت المنظمة عمليات اعتقال وتعذيب جرت بحق أطفال داخل السجون ومراكز الاحتجاز، حيث تعرض بعضهم للضرب المبرح، والتهديد، والترويع، والمعاملة القاسية نفسها التي كان يتعرض لها البالغون. وأشارت أيضاً إلى حالات جرى فيها التلاعب بأعمار الفتية لتشبيههم بالبالغين، بهدف شمولهم بأحكام الإعدام.
وفي تقارير أخرى، وثقت العفو الدولية استخدام الغازات السامة ضد المدنيين في حلبجة عام 1988، وهي الجريمة التي أودت بحياة مئات الأطفال، إلى جانب مئات آخرين قضوا نتيجة التهجير القسري، والحصار الاقتصادي، وسوء التغذية، وانعدام الرعاية الصحية، خاصة في المناطق التي فُرض عليها حصار داخلي من قبل النظام.
كما أشار بعض التقارير إلى اختفاء الآلاف من الأطفال قسراً، خاصة من الأسر الكردية والشيعية، ومن ضحايا الانتفاضة الشعبانية والمقابر الجماعية، بالإضافة إلى حالات الترحيل الجماعي للكرد الفيليين، حيث تم احتجاز آلاف الأطفال بعيداً عن ذويهم وتعرض عدد كبير منهم للتعذيب والموت في السجون.
وتنوّعت أشكال الانتهاكات الموثقة، لتشمل حرمان الأطفال من حق الاسم والهوية والرعاية الأسرية، ومنع السجينات الحوامل من الولادة الآمنة، ومنع الغذاء والعلاج عن الأطفال المحتجزين، ما أدى إلى وفاة أعداد كبيرة منهم داخل السجون.
وقدمت منظمة العفو الدولية في أحد تقاريرها أرقاماً صادمة عن ضحايا هذه الانتهاكات، من بينها:
315 طفلاً اختفوا قسراً.
17 طفلاً اختفوا أثناء الحجز.
12 طفلاً من عائلة الحكيم اعتُقلوا منذ عام 1983.
31 طفلاً دون الثامنة عشرة اعتُقلوا ثم أُعلن عن إعدامهم.
14 طفلاً من المختفين من عشيرة البارزاني.
3 أطفال من عائلة واحدة من بيت الحكيم.
عشرات الأطفال سُمّموا بمادة الثاليوم.
مئات الأطفال استشهدوا في هجوم حلبجة الكيميائي.
مئات الأطفال أبعدوا إلى إيران وتركيا خلال حملات التهجير، وظهرت صور لهم في معسكرات اللاجئين والمستشفيات.
وتؤكد هذه التقارير أن جميع هذه الانتهاكات لم تكن حالات فردية أو طارئة، بل جزء من سياسة منهجية اعتمدها النظام البعثي لترهيب المجتمع، وقمع معارضيه، وتفكيك الأسر، وخلق بيئة خوف ممتدّة، دفع ثمنها الأطفال قبل غيرهم.
وتبقى هذه الشهادات والوثائق، التي راكمتها منظمة العفو الدولية ومنظمات حقوقية أخرى، واحدة من أهم الأدلة التي اعتمد عليها العراقيون والمنظمات الدولية في مسار كشف الجرائم وتوثيقها، وحفظ ذاكرة الضحايا، والمطالبة بالعدالة والمحاسبة، وضمان ألا تتكرر هذه الانتهاكات في أي مرحلة قادمة من تاريخ العراق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى