“مقبرة شهداء الزبير”.. شاهد صامت على تاريخ العراق الدموي ومعاناة عائلات المفقودين

“مقبرة شهداء الزبير”.. شاهد صامت على تاريخ العراق الدموي ومعاناة عائلات المفقودين
في عمق مقبرة الحسن البصري بقضاء الزبير غربي البصرة، ترقد رفات مئات الجنود العراقيين الذين سقطوا في معارك طاحنة خلال الحرب العراقية-الإيرانية وحربي الخليج الأولى والثانية، في مشهد صامت يختزل عقوداً من النزاعات الدامية التي عاشها العراق.
هذه المقبرة، المعروفة باسم “مقبرة شهداء الزبير”، تخضع لإشراف قسم استلام وتسليم الشهداء في مديرية حقوق الإنسان بوزارة الدفاع، وتضم رفاتاً استعيدت من مناطق مختلفة داخل البلاد منذ عام 1998 وحتى السنوات اللاحقة لسقوط النظام السابق عام 2003، إذ شهد عام 2004 وما تلاه أكبر عمليات العثور على رفات مجهولة الهوية، ولا تزال عمليات الاستعادة متواصلة حتى اليوم، بحسب مسؤولين محليين.
تتوزع القبور في صفوف طويلة متشابهة الشكل، منخفضة بمحاذاة الأرض، تتوسطها كتل إسمنتية مستطيلة ولوحات معدنية تعريفية أتلفها الزمن والمناخ، فيما اختفت علامات تعريف أخرى تماماً، ما يجعل التعرف على أصحابها بالعين المجردة أمراً مستحيلاً.
ورغم ضياع الكثير من العلامات، تحتفظ الجهة المشرفة بخرائط دقيقة لمواقع الدفن، تمكّن من تحديد هوية الرفات حتى في حال غياب اللوحات التعريفية. وعند التعرف على هوية أحد المدفونين، تُفتح القبور رسمياً ويُسلّم الرفات إلى ذويه وفق إجراءات قانونية مرفقة بشهادة وفاة وكتاب “عدم تعرض”.
ويروي أحد الشهود المشاركين في عمليات الدفن أن الجثامين عُثر عليها في ظروف متباينة؛ بعضها كان محفوظاً مع هويات شخصية أو متعلقات تساعد في تحديد الهوية، فيما بقي عدد كبير مجهولاً حتى اليوم.
وفي السنوات الأخيرة، برزت مبادرات تطوعية لإعادة إحياء هذا الملف، بينها جهود منظمة “نبأ الفرقان” التي نشرت عبر منصاتها الإلكترونية قوائم بأسماء المدفونين، ما أعاد الأمل لعائلات بقيت تجهل مصير أبنائها لعقود.
إحدى تلك العائلات تحدثت بغصّة عن معرفتها المتأخرة بوجود رفات قريبها في المقبرة بعد سنوات طويلة على دفنه، ما يعكس ضعف التنسيق الإعلامي والرسمي، وترك هذه القبور في دائرة النسيان.
وتطالب عائلات المفقودين والمهتمون بملف المفقودين بفتح ملف المقبرة إعلامياً ووطنياً، وإطلاق حملات تعريف واسعة لتسهيل عملية المطابقة، وإنهاء معاناة آلاف الأسر التي لا تزال تنتظر خبراً عن أبنائها.
وفي بيان حديث، أعلنت منظمة نبأ الفرقان وجود 545 رفاتاً معروفة الهوية من ضحايا الحرب العراقية-الإيرانية مودعة حالياً في مركز تسليم الشهداء الرئيسي في البصرة – قضاء الزبير، مشيرة إلى أن القائمة قديمة وربما لا يعلم ذووهم بوجودها.
ودعت المنظمة عائلات المفقودين، ولا سيما ممن فقدوا أبناءهم خلال تلك الحرب، إلى مراجعة المركز للاطلاع على القوائم والتأكد من الأسماء، كما ناشدت الجمهور نشر الإعلان على أوسع نطاق لما يحمله من أهمية إنسانية ووطنية، أملاً في إعادة شيء من السكينة إلى قلوب العائلات بعد عقود من الانتظار.




