جدل واسع في الأوساط السياسية والاجتماعية والإعلامية بعد اعتذار محافظ نينوى للإيزيديين

جدل واسع في الأوساط السياسية والاجتماعية والإعلامية بعد اعتذار محافظ نينوى للإيزيديين
أثار اعتذار محافظ نينوى للمكون الإيزيدي، بعد عبارة ارتبطت بالاستعاذة من الشيطان، جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والاجتماعية والإعلامية، إذ انقسمت ردود الأفعال بين من اعتبر الاعتذار موقفاً إيجابياً ونادراً في الساحة السياسية العراقية، وبين من رأى فيه تكريساً لسوء الفهم التاريخي تجاه الإيزيديين وربطهم بما لا يمتّ إلى عقيدتهم بصلة.
النائبة الإيزيدية فيان دخيل كانت في طليعة المعلّقين على الحادثة، إذ أعربت عن استغرابها من الاعتذار الذي قدّمه المحافظ، متسائلة “ما مبرر الاعتذار وما علاقة الإيزيديين بالشيطان؟”.
وأضافت دخيل: “نحن الإيزيديون أول الموحدين بالله، والافتراءات التي تتحدث عن عبادتنا لغيره ليست سوى ذرائع استُخدمت عبر التاريخ لإبادتنا وتشريدنا”.
وأبدى الصحفي الإيزيدي سامان داود موقفاً أكثر تفصيلاً، قائلاً “الديانة الإيزيدية لا علاقة لها بالشيطان إطلاقاً، فهذا المفهوم أُدخل ضد الإيزيديين عبر قرون من سوء الفهم والعداء والتأويل الخاطئ للنصوص الدينية”.
وأوضح داود أن “الإيزيديين يقدسون طاووس ملك كرمز للنور والطاعة لله، وليس كما يفسره الآخرون”.
لكنه أشار إلى أن كلام محافظ نينوى “أدى إلى فتح باب خطابات الكراهية التي نحن في غنى عنها”، مضيفاً أن الاعتذار “خطوة نادرة في تاريخ السياسيين العراقيين، لكنه في الوقت نفسه أشعل جدلاً جديداً وكان من الأفضل تجنّبه من الأساس”.
وتابع داود: “المشكلة الحقيقية ليست فقط في تصريح مسؤول، بل في غياب الوعي المجتمعي وسوء فهم العقائد. المطلوب اليوم وعي جماعي يرفض خطاب الكراهية ويعزز ثقافة التعايش”.
والإيزيديون جماعة دينية عرقية تتحدث غالبية أبنائها باللهجة الكرمانجية، ويتركز وجودهم في شمال العراق، خصوصاً في قضاء سنجار.
ويُعرفون بعبادتهم لله تحت اسم إيزدان، ويقدسون الملائكة وعلى رأسهم طاووس ملك ويتبنون فلسفة تقوم على وحدة الخير والشر كمظاهر مشيئة إلهية، ما يجعل مفهوم العصيان والشيطان غير موجود في عقيدتهم، كما يقدسون الظواهر الطبيعية كالشمس والقمر والماء والنار باعتبارها تجليات للخالق ولا يقبلون التحوّل إلى ديانتهم، إذ يشترط أن يولد الإنسان من أبوين إيزيديين ولا يملكون اليوم كتاباً مقدساً متكاملاً، بعدما ضاع كتابهم “مصحف رش” و”الجلوة” خلال موجات الإبادة في العهد العثماني.
وتعرض الإيزيديون عام 2014 لإبادة جماعية على يد تنظيم د1عش، خلّفت آلاف الضحايا والمخطوفين، وما زال ملف الناجيات والناجين مفتوحاً حتى الآن.
الباحثون في الأديان يؤكدون أن الاتهام بعبادة الشيطان هو “إسقاط خارجي” ارتبط بالعداء التاريخي وسوء الفهم، إذ لا وجود لمفهوم الشيطان ككائن عاصٍ في النصوص الإيزيدية.
ويشير الباحث جندي إلى أن “طاووس ملك أحد أسماء الله في الديانة الإيزيدية، ويرتبط بآلهة قديمة مثل “آنو” عند السومريين و”فارونا” عند الهندوس، فيما يظل تقديس الشمس جزءاً من طقوسهم الروحية.
ويرى مراقبون أن “الجهل بالعقائد المختلفة يفتح المجال أمام خطاب الكراهية والتأويلات المغلوطة”.
والجدل الأخير حول اعتذار محافظ نينوى لم يكن مجرد سجال سياسي، بل أعاد فتح ملف طويل من سوء الفهم التاريخي للإيزيدية، وأبرز حاجة العراق إلى حوار جاد عن التعايش وقبول الآخر.