مآذن كربلاء التي أوجعت الطغاة.. حينما قرر البعث هدم المساجد لمواجهة صوت الحسين (عليه السلام)

مآذن كربلاء التي أوجعت الطغاة.. حينما قرر البعث هدم المساجد لمواجهة صوت الحسين (عليه السلام)
ليست المساجد والجوامع والحسينيات مجرّد دورٍ للعبادة، بل كانت ـ ولا تزال ـ حجر الأساس في بناء الوعي الإسلامي، ومنصاتٍ حية لصوت الإصلاح، والوحدة، والكرامة، حفظت هذه المعالم هوية الأمة، ووقفت، بحجارتها وساحاتها، في وجه الطغاة.
ففي قلب كربلاء، التي خطّ فيها الإمام الحسين (عليه السلام) بدمه الشريف سطور الخلود، ارتفعت المساجد والحسينيات لتؤدي رسالتها الجامعة من عبادة، وتعليم، ومقاومة، فمسجد المخيم ومسجد الزينبية، وحسينياتٌ أخرى حديثة العهد، لم يقتصر دورها على أداء الشعائر أو إقامة الصلاة، بل تحوّلت إلى منارات للفكر، ومجالس لتدريس علوم الدين، ومراكز لخدمة الزائرين، وأماكن لتأريخ الوعي الحسيني المتجدد.
ومع اشتداد القبضة البعثية مطلع عام 1968، لم تغب أعين النظام عن الدور المحوري لهذه المؤسسات، فقد كانت المجالس الحسينية، داخل هذه المساجد والحسينيات، تشعل جذوة الوعي الشعبي، وتؤسس لتقاليد التمرّد على الظلم، وما إن اندلعت الانتفاضة الشعبانية عام 1991، حتى وجّه النظام البائد ضربته الأشد وهي هدم العشرات من دور العبادة، ونهب عقاراتها، وتحويل بعضها إلى مؤسسات حكومية أو سلع عقارية تباع في مزادات علنية.
وفي ظل قرارات تعسفية مثل القرار (149) لعام 1994، و(148) لعام 1997، انتزعت السلطات البعثية ملكيات هذه المؤسسات، ونُقلت إلى وزارة المالية، ليُحرم آلاف المؤمنين من ساحات عبادتهم، بل ومن ذاكرةٍ جماعية تربّت على المنبر الحسيني، ومحراب الصلاة، وصوت الدعاء.
ورغم محاولات البعض شراء ممتلكاتهم مرةً أخرى بأسعار باهظة، لم يعد إعمار كثير من هذه المساجد حتى سقوط النظام عام 2003، حين بدأت ملفات النزاعات تُفتح من جديد، وأعادت المحاكم العراقية جزءاً من الحقوق المسلوبة.
واليوم، تقف كربلاء شاهداً، لا فقط على ظلامة الإمام الحسين (عليه السلام)، بل على مأساة من أرادوا أن يحملوا صوته في وجه الظلم، فهُدمت مساجدهم، وأُسكتت مآذنهم، ولكنهم عادوا من تحت الركام، كما تعود كربلاء شامخةً قوية في كل عاشوراء.