احتفالات المصريين بمولد الإمام الحسين (عليه السلام) تجمع بين الروحانية والتراث الشعبي في القاهرة

احتفالات المصريين بمولد الإمام الحسين (عليه السلام) تجمع بين الروحانية والتراث الشعبي في القاهرة
على الرغم من أن المشهور في التاريخ الإسلامي أن مولد الإمام الحسين (عليه السلام) في الثالث من شهر شعبان المعظم، إلا أن المصريين يحتفلون بهذه المناسبة مرتين في العام، الأولى في شهر شعبان، والثانية في آخر ثلاثاء من شهر ربيع الآخر، والسر في ذلك يعود إلى اعتقاد راسخ لديهم بأن قدوم الرأس الشريف للإمام الحسين عليه السلام إلى أرض مصر يمثل ميلاداً روحياً جديداً، فسمّوه “المولد الثاني”، وجعلوه مناسبة سنوية يعبّرون فيها عن محبتهم وولائهم لأهل البيت (عليهم السلام)، وتجديد العهد مع سيد الشهداء الذي ضحّى من أجل العدالة والكرامة الإنسانية.
وتبدأ مظاهر الاحتفال قبل أيام من المولد، حيث تتوافد الحشود من مختلف محافظات مصر إلى حي الحسين (عليه السلام) في قلب القاهرة القديمة، حاملين مشاعر الشوق والتبجيل للإمام الحسين (عليه السلام). وتمتلئ الساحات المحيطة بالمسجد بالحضور من الرجال والنساء والأطفال، وتُنصب الخيام لاستقبال الزوار وتقديم الطعام والشراب مجاناً، فيما تصدح مكبرات الصوت بالابتهالات والمدائح النبوية التي تملأ الأجواء روحانية وطمأنينة.
داخل المسجد الحسيني، تتلى آيات القرآن الكريم وتقام حلقات الذكر التي يشارك فيها العلماء والقراء والطرق الصوفية، ويعلو الدعاء بأن يحفظ الله مصر وأهلها، وأن يديم فيها الأمن والسلام. أما في الساحات الخارجية، فتنتشر الزينات والأنوار، وتُوزع الحلوى على الأطفال، في مشهد يختلط فيه التدين بالمحبة الشعبية ويعكس جانباً من الهوية الدينية العريقة للمصريين.
ويحظى مولد الإمام الحسين (عليه السلام) بمكانة خاصة في وجدان المصريين، إذ يعتبرونه رمزاً للفداء والإيثار والبطولة في سبيل الحق، ويرون في زيارته تبركاً وتقرباً إلى الله، وقد توارثت الأجيال هذا التقليد منذ قرون طويلة حين نُقل الرأس الشريف إلى القاهرة في منتصف القرن السادس الهجري، وأقيم عليه المسجد الذي أصبح واحداً من أهم المزارات الإسلامية في العالم العربي.
ولا تقتصر المشاركة على المصريين وحدهم، بل يحضر المولد زوار من بلدان عربية وإسلامية مختلفة، خاصة من العراق ولبنان والهند وباكستان، لما يمثله الإمام الحسين (عليه السلام) من قداسة عالمية تتجاوز الحدود والمذاهب، فيلتقون جميعاً على محبته واستذكار بطولته في كربلاء.
وهكذا يظل مولد الإمام الحسين (عليه السلام) في مصر مناسبة تجمع بين الروحانية العميقة والبهجة الشعبية، وتجسّد استمرار ارتباط المصريين بأهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله)، بما يحمله ذلك من دلالات الإخلاص والوفاء لقيم التضحية والإيمان التي خلدها الإمام الحسين (عليه السلام) بدمه الطاهر.