الهيئات و الشعائر الحسينية

ألا يا أهل العالم… هذا نداء عاشوراء الأبدي

ألا يا أهل العالم… هذا نداء عاشوراء الأبدي

«ألا يا أهل العالم أنا الإمام القائم… ألا يا أهل العالم إنّ جدّي الحسين قتلوه عطشاناً… ألا يا أهل العالم إنّ جدّي الحسين سحقوه عدواناً» (الإرشاد: ج2 – ص384).
إنه النداء الذي يعبر أُفق الزمان، يزلزل أسماع الدنيا، ويطرق قلوب الغافلين. نداء الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه)، ذلك النداء الذي لم يكن مجرد كلمات، بل هو صرخة مظلوم تفتح فينا جرحًا لا يندمل، وتجعلنا نقف خاشعين أمام المأساة التي شهدتها كربلاء، حيث قُتل عطشانًا، وسُحق جسده الشريف تحت سنابك الخيل، وقطعت السيوف جسده الطاهر وهو يدعو الله حتى النفس الأخير.
كربلاء… يوم لا يشبهه يوم
تبقى ذكرى عاشوراء يوماً للحزن والأسى، فلا يوم كيوم أبي عبد الله الحسين (عليه السلام). يوم تتجدد فيه الفجيعة المروعة التي وصفها الإمام الباقر (عليه السلام): «لقد قُتِلَ بالسيف، والسنان، وبالحجارة، وبالخشب، وبالعصا، ولقد أوطأوه الخيل بعد ذلك» (تاريخ الطبري ج4 – ص339).
ويوم تصرخ فيه زينب (عليها السلام) في وجه الطغاة:
«ويلكم أتدرون أي كبد لمحمد فريتم وأي دم له سفكتم وأي كريمة له أصبتم؟ لقد جئتم شيئاً إدا تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هداً…» (بحار الأنوار: ج45 – ص165).
يوم بكت فيه السماء دماً، وأبكت الأرض كل من له قلب، وأصبح عنوانًا خالدًا في ضمير الإنسانية. كربلاء ليست مأساة بقدر ما هي مدرسة كبرى في الإباء والحرية والكرامة، لتبقى عاشوراء محطة وعي وعهد دائم على أن نكون مع الحق مهما كان الثمن، ومع العدل مهما غلت التضحيات.
عاشوراء.. مدرسة الثورة والوعي
قال المرجع المجدد السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره):
«من يريد الخلاص من الذل والعبودية، ومن يريد العزة والسعادة، فعليه أن يتعلم من مدرسة أبي الأحرار الحسين بن علي (عليه السلام) دروس الشهامة والشجاعة، وسمو النفس، ورفض العبودية، وإصلاح المجتمع، وإنقاذ الإنسان، وأخيراً الجهاد في سبيل الله وفي سبيل الإنسانية ضد الظلم والطغيان».
وقال سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):
«لم يكن يوم عاشوراء مناسبة للندب والتعزية فحسب، بل كان وما يزال وقفة للتأسي بدروسه والاقتداء بأبطاله، فإن ذكرى عاشوراء فرصة عظيمة لترسيخ مبادئ العبودية لله، وترسيخ قيم الإنسانية، والإيثار، وخدمة الآخرين، ومد يد العون للفقراء والمحتاجين، والدفاع عن المظلومين».
وهكذا، عاشوراء ليست لحظة بكاء عابرة، بل هي تجديد عهد بأن لا نركع للظلم، ولا نخضع للطغيان، ولا نصمت على الفساد، بل نحمل رسالة الإمام الحسين (عليه السلام) التي واجه بها السيوف، وسطر بدمه أروع صفحات التاريخ.
رسالة عاشوراء اليوم
في عالمنا اليوم، ذكرى عاشوراء دعوة مفتوحة:
لمقاومة الظلم حيثما كان،
ونصرة المظلوم مهما كان،
وكسر قيود الفساد والاستبداد،
وإغاثة الضعفاء وخدمة الناس،
والإصلاح في الأرض، والحفاظ على كرامة الإنسان.
فإن الإمام الحسين (عليه السلام) لم يخرج طلبًا للسلطة، بل خرج ليعيد ميزان العدالة والحق في أمة انحرفت، فكان دمه الطاهر لعنة أبدية على الظالمين، ونورًا خالدًا للأحرار حتى قيام الساعة.
ختامًا، عاشوراء ليست ذكرى تُحيى، بل روح تُعاش. فمن أراد أن يكون حسينيًا بحق، فليجعل عاشوراء منهجًا يوميًا في حياته، يقف به في وجه الباطل، ويدافع عن الحق، ويخدم الناس، ويحفظ كرامة الأمة، ليكون من أنصار الإمام القائم الذي سيخرج ليكمل مسيرة جده الحسين (عليه السلام)، حاملاً ذات النداء: «ألا يا أهل العالم…» حتى يملأ الأرض قسطًا وعدلاً كما مُلئت ظلمًا وجورًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى