أخبارالمقالات

حول الحدث المليوني والجهود الانسانية.. مقال بعنوان “يوم الأربعين يوماً للعمل التطوعي”

جميل عودة
يحظى العمل التطوعي باهتمام كبير من لدن العديد من المجتمعات البشرية، وقد جعل المجتمع الدولي (يوم 5 كانون الأول/ ديسمبر) من كل عام يوما دوليا للمتطوعين، إذ يُنظر إلى هذا اليوم على أنه فرصة فريدة للمتطوعين والمنظمات للاحتفال بجهودهم، ومشاركة قيمهم، وتعزيز عملهم بين مجتمعاتهم المحلية والمنظمات غير الحكومية ووكالات الأمم المتحدة والسلطات الحكومية والقطاع الخاص.
والاحتفال بـ(اليوم العالمي للتطوع) يهدف إلى رفع مستوى الوعي عند الناس من أجل زيادة مساهمتهم في بناء المجتمع، وشكر جميع المتطوعين على جهودهم التطوعية، وتشجيع العديد من الأشخاص من أجل تقديم خدماتهم التطوعية المختلفة.
ولما كان العمل التطوعي في العراق يحظى باهتمام المجتمع العراقي، لاسيما في المناسبات الدينية والاجتماعية والأزمات والكوارث الطبيعية، فقد جعل مجلس الوزراء، بموجب قراره (70 لسنة 2020) يوم العشرين من شهر صفر من كل عام (أربعينية الأمام الحسين عليه السلام) يوما عراقيا للعمل التطوعي.
والسؤال هنا؛ ماذا نعني بــ (العمل التطوعي)؟ وماهي أهميته المجتمعية والدينية؟ وماهي دلالات اعتبار يوم (أربعينية الإمام الحسين عليه السلام) يوما وطنيا للعمل التطوعي؟ ومن هي الفعاليات المجتمعية التي تقوم بقيادة العمل التطوعي في هذه المناسبة، وفي المناسبات الدينية الأخرى؟ وماهي المؤسسات الحكومية التي تقوم بإسناد العمل التطوعي؟ وكيف يمكن توحيد الجهود المجتمعية والحكومية، وتكريم العمل التطوعي وتنشيطه في الأزمات والكواثر الطبيعية وغير الطبيعية، الدينية وغير الدينية؟
إن العمل التطوعي هو نشاط اجتماعي مجاني، يقوم به الأفراد من تلقاء أنفسهم، بشكل فردي أو جماعي، وذلك من خلال التبرع بجزء من الوقت، أو الجهد، أو المال، أو الخبرة، وهو لا يقتصر شريحة مجتمعية معينة بل يشمل الرجال والنساء، والشباب والشابات، والشيوخ والشيخات، الموظفين وغير الموظفين، الأغنياء والفقراء، المتدينين وغير المتدينين، ولا على حقل اجتماعي محدد، بل، يشمل جميع الحقول الاجتماعية والإنسانية والخدمية، مثل: الخدمات العامة، والتعليم، والصحة، والتنمية الاجتماعية، والمساعدات العينية، والاهتمام بذوي الاحتياجات الخاصة: كالأيتام، والأرامل، والمعاقين، وغيرهم.
تكمن أهمية العمل التطوعي على المستوى المجتمعي، في أنه يزيد من التكاتف بين أفراد المجتمع، ويقوي العلاقات الإنسانيّة، ويعزز التنافس الإيجابي بين الأفراد والجماعات، ويساعد على تحسين أحوال الفقراء والمحتاجين من خلال المساهمات المالية للمتطوعين والمتبرعين، كما أنّه فرصة جيدة لتوجيه طاقات الأفراد ومهاراتهم لتحسين البيئة المحيطة وتقديم المساعدة لمن يحتاجها.
وعلى المستوى الديني؛ فليس هناك دين سماوي وغير سماوي، يرشد، ويحث، ويعطي الأجر الدنيوي والأخروي على العمل الخيري التطوعي مثل الإسلام، فهناك الكثير من الآيات التي تحث على العمل التطوعي، وعلى عون ومساعدة الآخرين، منها: قوله تعالي (ومن تطوع خيراً فهو خير له) وقوله تعالى (وتعاونوا على البر والتقوى) وقوله (وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل) وغيرها من الآيات الكريمة التي ترشد وتحث على فعل الخير.
وهناك العشرات من الآيات القرآنية التي تقرن العمل الصالح إلى جنب الإيمان بالله واليوم الآخر، كما نجد في سورة العصر: (والعصر إن الإنسان لفي خسر.. إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر). إذ لا يكفي الإيمان وحده ما لم يقترن بعمل صالح، لأن الإسلام دين حياة وعمل وليس مجرد طقوس يؤديها الفرد ليس لها علاقة بواقعه ومجتمعه.
ويقدس الإسلام عمل الخير مهما كان صغيرا، ولو كان بمقدار ذرة، كما في قوله تعالى: (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) وبذلك لن يكون بمقدور أي أحد أن يقول مثلا أنا فقير لا يمكنني أن أقوم بفعل الخير، أو يظن بأن فعل الخير إنما يقتصر على الأغنياء وأصحاب الأموال الطائلة، كلا، إن فعل الخير يمكن أن يكون بتقديم رغيف خبز لمحتاج أو حتى مجرد تمرة أو أقل من ذلك.
ومن لا يملك مالا بوسعه أن يقول كلمة يحض فيها الآخرين على العطاء، كما بوسعه أن يقدم وقته وجهده، ويساهم في العمل التطوعي الخيري.
بل إن العمل التطوعي في القرآن الكريم ليس عملا إنسانيا تطوعيا، إن شاء الإنسان عمله، وإن شاء رفضه، وحسب، لا، بل، هو واجب شرعي وأخلاقي في كثير من الحالات، وقد أشارت آية (وفي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم) إلى هذا المعنى الإلزامي في العمل التطوعي.
وفي السنة النبوية؛ هناك المئات من الأحاديث الصحيحة والمتواترة التي تؤكد بما لا يدع الشك على العمل الخيري والتطوعي منها: (خير الناس أنفعهم للناس) والحديث يشير إلى نفع الناس أجمعين، وليس نفع المسلمين فقط. و(المال مال الله والناس عيال الله وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله) و(إن لله عباداً اختصهم لقضاء حوائج الناس، حببهم للخير وحبب الخير إليهم، أولئك الناجون من عذاب يوم القيامة) و(لأن تغدو مع أخيك فتقضي له حاجته خير من أن تصلي في مسجدي هذا مائة ركعة) و (مازال جبريل يوصني على الجار حتى ظننت انه سيورثه).
من هذا المنطق؛ فان اختيار يوم العشرين من صفر من كل عام (أربعينية الإمام الحسين عليه السلام) ليكون يوما وطنيا للعمل التطوعي، كان اختيارا مدروسا من الناحية المجتمعية والدينية على حد سواء. حيث يحظى هذا اليوم بأهمية خاصة لدى المجتمع العراقي، ففيه يتوجه ملايين الزائرين من داخل العراق ومن خارجه لزيارة الإمام الحسين (ع) تطبيقا للأحاديث والروايات الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام) في فضل زيارة الحسين والثواب الجزيل الذي يصيبه زائره بزيارته. منها ما رُوي عن الإمام الباقر (عليه السلام): (مُروا شيعتنا بزيارة قبر الحسين فإن إتيانه مفترض على كل مؤمن يقرُّ للحسين بالإمامة من الله عز وجل)، وفي حديث آخر له (عليه السلام) أيضاً عندما سُئلَ: ما لزائر الحسين من الثواب؟ فقال عليه السلام: ((يؤمنه الله يوم الفزع الأكبر وتلقاه الملائكة بالبشارة ويقال له: لا تخف ولا تحزن هذا يومك الذي فيه فوزك)، وماروي عن الإمام الحسن العسكري انه قال: (علامات المؤمن خمس؛ صلاة إحدى وخمسين؛ وزيارة الأربعين؛ والتختم باليمين؛ وتعفير الجبين).
وفي يوم الأربعين وقبله وبعده يقوم الملايين من العراقيين بأعمال تطوعية كثيرة منها التبرع بالمال، وإعداد الطعام والشراب، وتوفير المأوى للزائرين، وتوفير المستلزمات الصحية، ومساعدة المحتاجين والفقراء، ورفع الأنقاض، وحفظ الأمن، والتوجيه الديني والثقافي، ولا يكاد يخلو بيت ليس في كربلاء وحدها بل في جميع المحافظات تقريبا من القيام بعمل تطوعي أو أكثر استجابة للنداء الديني وطلبا للمغفرة والثواب من الله عز وجل، ولعل الطرق الواصلة بين محافظة كربلاء والمحافظات الأخرى تشهد على هذه الأعمال والأنشطة الخيرية التطوعية.
وفي الواقع؛ تنقسم خريطة العمل التطوعي في يوم الأربعين من حيث الجهات المتطوعة والجهات الساندة إلى الآتي:
أولا. الجهات المتطوعة:

  1. الأفراد: وهي الحالة الغالبة في الأعمال التطوعية والخيرية التي تقدم في يوم الأربعين، حيث يقوم الأفراد، كل بحسب قدرته بعمل ما لمساعدة الزائرين المتوجهين إلى كربلاء، منهم من يتبرع بالمال، ومنهم من يتبرع بالجهد، ومنهم من يأوي الزائرين في بيته أو خيمته ينصبها لهذا الغرض، ومنهم من يرشد الزائرين، ومنهم من ينقلهم من مكان إلى مكان، وغيرها من الأعمال التطوعية الخيرية.
  2. المؤسسات الدينية: تتولى المؤسسات الدينية، سواء كانت تتبع مكاتب المرجعيات الدينية، أو تتبع العتبات المقدسة (الحسينية، والعباسية، والعلوية، والكاظمية) وغيرها، القيام بالأعمال التطوعية مباشرة عن طريق مقلديها أو منسوبيها أو موظفيها أو بتنظيم الأعمال التطوعية للمواطنين الآخرين، أو بتهيئة وتوفير الآليات والمستلزمات الأخرى، مثل توفير وسائل النقل، أو المبيت، وغيرها.
  3. المنظمات غير الحكومية والاتحادات والنقابات والمنظمات الشبابية: حيث تعمل العديد من المنظمات التطوعية، سواء المنظمات غير الحكومية، أو الاتحادات أو التجمعات الشبابية المنبثقة عن المدارس والكليات والجامعات على تنظيم الفعاليات التطوعية الممكنة، ومنها المشاركة في نقاط التفتيش في الطرق ومداخل كربلاء، والمحافظة على الأمن المجتمعي، والمشاركة في النظافة العامة وغيرها.
    ثانيا: المؤسسات الحكومية الساندة:
  4. الوزارات والمحافظات: حيث تقوم كل مؤسسة حكومية بتسخير إمكانياتها المادية والبشرية لدعم وإسنادا لأعمال التطوعية من خلال حث موظفيها على التواجد في أماكن محددة لتقديم الخدمات كل حسب اختصاصه. فعلى سبيل المثال تقوم وزارة النقل بتوفير وسائل النقل للزائرين، وتقوم وزارة الصحة بتوفير الخدمات الصحية، وتقوم وزارة الكهرباء بتوفير الكهرباء وإصلاح الخلل وغيرها. كما تقوم العديد من المحافظات بإرسال موظفيها وآلياتها إلى كربلاء أو الطرق المؤدية إلى كربلاء لدعم وإسناد الأعمال التطوعية ومساعدة الزائرين.
  5. الأجهزة الأمنية: حيث تقوم العديد من الأجهزة الأمنية في العراق، بالإضافة إلى المتطوعين بالمحافظة على الأمن العام، بمهم المحافظة على امن الزائرين وسلامتهم في مناطق تواجدهم وانتقالهم في كربلاء وفي طول الطرق المؤدية إليها، من خلال استنفار كل مواردها البشرية في الأيام التي تسبق الزيارة الأربعينية وبعدها. وأكثرية هؤلاء الموظفين إنما يقومون بهذا الأعمال من رغبة ذاتية وإنسانية ودينية أكثر مما هي واجب وظيفي.
    ومع كل هذه الأعمال التطوعية والخيرية التي تقدم في كربلاء المقدسة، وفي الطرق المؤدية إليها إلا أنها لم تحظى بالاهتمام المطلوب من لدن الدولة بما يتلاءم وأهمية هذه المناسبة، وأهمية الأعمال التطوعية المجتمعية، من حيث أعداد المتطوعين، ومن حيث الأموال التي تنفق فيها، ومن حيث الجهود التي تبذل من أجلها، ومن حيث عديد الآليات والمركبات والأدوات التي تسخر في هذه المناسبة.
    حيث إن الجهود الحكومي الاتحادي مازال قاصرا في احتواء وتنظيم هذه الأعمال باتجاه خدمة المجتمع، والاستفادة منها في سد ما تعجز الدولة عن تكفله من واجبات ملقاة على عاتقها. بمعنى ليس هناك جهة حكومية عليا راعية للعمل التطوعي في العراق، بل مازالت هناك جهود منفردة تقوم بها الوزارات والمحافظات والدوائر التابعة لها، وهي في الغالب تعتمد على إدارة هذه الجهات من جهة، ورغبة موظفيها في تقدم الخدمات التطوعية من جهة ثانية.

نعم؛ إن قرار مجلس الوزراء (70 لسنة 2020) الذي أوجد يوما وطنيا للعمل التطوعي هو مقدمة جيدة لرعاية الدولة للعمل التطوعي، ولكن المطلوب هو الآتي:

  1. تأليف فريق عمل وطني (اتحادي ومحلي) أو (لجنة عليا لمتابعة العمل التطوعي) تتولى الإشراف على الأعمال التطوعية في المناسبات الدينية وغيرها.
  2. تنظيم الجهود الحكومية الراعية للأعمال التطوعية في المناسبات الدينية وغير الدينية بما يؤدي إلى توحيد جهود المؤسسات الحكومية وإبراز دورها في هذا المجال.
  3. دعم الأعمال التطوعية والخيرية التي تقوم بها المؤسسات والمنظمات والنقابات، والتجمعات الشبابية، سواء على مستوى تكريم هذه الجهود، أو على مستوى تسهيل مهماتها، أو توفير بعض الدعم المالي اللازم لتطوير الأعمال التطوعية وتنميتها.
  4. ابتكار الأعمال التطوعية والخيرية التي تعزز الروابط المجتمعية والإنسانية بين أبناء المحافظات كافة.
  5. إبراز دور العمل التطوعي والخيري في العراق على المستولى المحلي والوطني والإقليمي والدولي، وحث المنظمات الإقليمية والدولية على المساهمة في تنمية الأعمال التطوعية في العراق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى