المفردات في غريب القرآن”.. قصة كتاب نجا من مجزرة هولاكو في بغداد
من الكتب القلائل التي نجت من تدمير مكتبة بغداد على يد المغول عام 656 هجري كتاب “المفردات في غريب القرآن” لمؤلفه الحسين بن محمد الراغب الأصفهاني، وهو أديب عاش في مدينة بغداد، وكتب وألف في مواضيع عديدة، أبرزها التفسير والأدب والبلاغة.
وكان تدمير مكتبة بغداد على يد المغول عام 656 هجري من أشنع الجرائم في تاريخ الفكر الإنساني، لكونها أعظم مكتبات الدنيا آنذاك، حيث جمعت فيها مختلف أنواع العلوم والآداب والفنون.
ورغم انتشار آلة القتل والرعب والدمار لجيش هولاكو تحرك بعض طلبة العلم لإنقاذ ما يستطيعون إنقاذه من الكتب، ومنها كتاب “المفردات في غريب القرآن” لأبي راغب الأصفهاني، والذي جرى انتشاله من نهر دجلة قبل أن تتلفه المياه.
ويرى الأستاذ المساعد الدكتور هلال كاظم الشبلي أن كثرة إتلاف الكتب أثناء الاحتلال المغولي لبغداد سببها الهرج والمرج الذي شهدته المدينة التي تعد درة المعرفة، حيث تعج بالمكتبات ودور العلماء والأمراء والوجهاء، وأغلبهم خرجوا من بغداد أثناء الغزو، فعاث بها الغزاة والسراق والعابثون، وكانت الكتب أكثر عرضة للحرق والإتلاف.
ويبين الشبلي للجزيرة نت أن هذه القضية لم تكن عابرة، بل خدشت المعرفة الفكرية وعطلتها لزمن ليس بالقصير، لأن نتاجات العلماء الأولين هي أساس المعرفة العلمية والفكرية، والتي يعتمد عليها الباحثون، ففي أعقاب تلك الفترة شهدت بغداد فترات مظلمة نتيجة الاحتلال وحرق المكتبات وهجرة العلماء.
ويعتقد الشبلي أن إتلاف الكتب لم يكن انتقائياً، لأن أكثر العابثين لم يفرقوا بين كتاب لمذهب ما دون غيره، والجندي المغولي لم يكن يعرف لغة العرب فيقوم بتمييزها وإتلافها، بل إن كثرة الدمار والتخريب جرفت تلك المكتبات نحو نهر دجلة، فاختلط الحبر مع الماء وتلون بلون الحبر والقراطيس، فضلاً عن الدماء الغزيرة التي سالت في بغداد أعقاب الاحتلال الهمجي.
ومن الكتب القلائل التي نجت من الإتلاف كتاب “المفردات في غريب القرآن” لمؤلفه الحسين بن محمد الراغب الأصفهاني المتوفى عام 502 هجري (1108 ميلادي)، وهو أديب عاش في مدينة بغداد، تعود أصوله إلى أصفهان، كتب وألف في مواضيع عديدة، أبرزها التفسير والأدب والبلاغة، بحسب الكاتب والأديب أسعد عبد الله.
ويضيف عبد الله، أن هذا الكتاب يعد من أشهر وأجمل كتب الأصفهاني وأكثرها فائدة، حيث إنه يفسر الكلمات الصعبة التي وردت في القرآن الكريم، كما يتميز بالترتيب الذي اعتمد على الحروف الهجائية كما في المعجمات اللغوية، وسهل ذلك على الباحث أن يحصل على مراده دون عناء وفي أقصر مدة.
ويؤكد عبد الله أن الكتاب يمتلك ميزة ومكانة علمية كبيرة تتمثل في اهتدائه إلى مفاتيح النص القرآني، وكذلك في آلية إعداده وشكل ترتيبه وفق الحروف الهجائية، وكان ذلك قبل نحو 10 قرون، وهي نفس الطريقة التي سار عليها الباحثون والكتاب في زماننا، ويعد ذلك سبقاً علمياً كبيراً للأصفهاني.
وينقل عبد الله عن المختصين عدة ملاحظات حول كتاب “المفردات”، منها قلة إسناد الأقوال إلى أصحابها، وتأثير عقيدته على تفسير بعض الآيات، كما قام بإدراج الأسماء الأعجمية تحت أكثر من جذر وكان من الأجدر فصلها.