أخبارالعتبات والمزارات المقدسة

مرقد الشهيدين ولدي مسلم بن عقيل (عليهم السلام) البراءة المذبوحة تتحوّل إلى شاخصٍ عظيم يجذب القلوب إليه

شيعة ويفز/ خاص

رغمَ عناءِ الطريق ونتيجة للشوارع المتعرّجة وغير المؤهلة التي تؤدي صوب مرقد الشهيدين الحيين ولدي مسلم بن عقيل بن أبي طالب (عليهم السلام) في قضاء المسيّب الواقع على الضفّة الشرقية من نهر الفرات، إلا أن انهمار الزائرين نحوهُ يبدأ ولا ينتهي، وتحديداً في يومي الخميس والجمعة، وخلال المناسبات الدينية وموسم الحزن العاشورائي، وذكرى شهادتهما (عليهما السلام) في الثالث والعشرين من شهر ذي الحجّة الحرام.

وعند المرقد الشريف الواقع في منطقة المسيّب بمحافظة بابل، سيجد المحبّون والتواقّون للزيارة لافتاتٍ دالة توصلهم إليه، حيث سيجدون أنفسهم داخل قرية آهلة بالنخيل والسكان على حدٍ سواء وتشبه أكثرَ القُرى العراقية ببساطة عيشِها وأخلاق سكانِها الرائعين، والتي تسمّتْ باسم الشهيدين الحيين محمد وإبراهيم ولدي مسلم بن عقيل (عليهم السلام).

الطريق للمرقد الطاهر يبدأ من فرعٍ ضيّق تحوّل إلى سوق بسيط تناثرت على جانبيه محال لبيعِ المواد الغذائية والهدايا أو ما تسمّى باللهجة الدارجة (الصوغات) التي يقتنيها الزائرون، وهذا الفرع الضيّق يؤدي إلى المرقد الشريف الذي يتوسطه الحرم الطاهر العابق بأنفاس قبري الشهيدين، فيما يحيطه صحن بمساحة كبيرة لاحتضان الزائرين وإقامة طقوس العزاء، إلا أن الملاحظ عليهِ بناءه القديم وحركة الإعمار البطيئة جداً، وليس كما أضحت عليه الآن العديد من المراقد والمزارات الشريفة لأهل البيت (عليهم السلام)، وبالتالي فإن المرقد الطاهر بحاجة كبيرة اليوم إلى نهضة إعمارية بخطوات سريعة وبما يخلقُ أجواءً مناسبةً للزائرين وخصوصاً في فصل الصيف وطقسِهِ الحار.

ويوجد للمرقد الشريف بابان لدخول الزائرين، أما المنظر العام والخارجي فهو بسيط جداً، إلا أنّ القبتين الذهبيتين اللتين تعلوان المرقد الطاهر والمنارتين الشامختين المكسوتين بالقاشان والقلوب الطيبة للقائمين عليه وخدمة زائريه تخفّف عنكَ كلّ تعب، حيثُ يتم استقبال الزائرين بكلّ رحابة صدر ليجدوا أنفسهم وسط روضةٍ من رياض الجنان التي أكرم الله تعالى بها أهل الأرض من محبّي محمّد وآله (عليهم أفضل الصلاة والسلام).

أما بالنسبة لسدنة المرقد الشريف فهم من أهالي القرية نفسها، وتحديداً من سادة (البكيري أو البجيري) الذين يتفرعون من السادة البدري، وكان جدّهم الراحل السيد علي عبد الحسين البكيري هو السادن الأوّل للمرقد الطاهر وتوالى بعده ابنه ثم حفيده في سدانة المرقد والاهتمام به وتقديم الخدمة اللازمة للزائرين.

أما من الناحية الإدارية المرقد الشريف فهو أحد الأمانات الخاصة الذي يتبع للأمانة العامة للمزارات الشيعية الشريفة في العراق، إلا أنّه لا يزال بسدانة السادة (البكيري)، الذينَ توالوا على خدمته ويسعون دائماً إلى إقامة الفعاليات والأنشطة الثقافية والدينية والقرآنية التي تخدم زائري المرقد الشريف وتؤكّد على أهمية مثل هذه المراقد الطاهرة في إشاعة الثقافة والفكر بين أفراد المجتمع.

وقد أكد بعض من علماء الشيعة الأعلام، صحّة هذا المرقد الشريف، فقد نقل الشيخ الصدوق قصّتَهما، وخلاصتها أنّ محمّد الأصغر وإبراهيم وَلَدي مسلم بن عقيل (عليهم السلام) قد فرّا بعد واقعة عاشوراء بطفّ كربلاء، حين هجمت خيل عمر بن سعد على مخيّم الإمام الحسين (عليه السّلام) عند غروب يوم عاشوراء سنة 61 هجريّة، فَضَلاّ طريقهما حتّى أُسِرا وأُودِعا السجن، ثمّ هرّبهما السجّان، فالتجآ إلى امرأة، وتكرّرت معهما قصّة أبيهما فقبض عليهما حارث بن عروة الطائي، وقتلهما على شطّ الفرات.

وذُكر أنّ محمّداً الأصغر قد وُلدِ عام 52 هجريّ، وإبراهيم وُلد عام 53 هجريّ، وقُتِلا شهيدَين مظلومَين بريئَين عام 62 هجري، فيكون عمر الأوّل عشر سنوات والثاني تسع سنوات (رضوان الله عليهما).

أما عن تسميتهما بالشهيدين الحيين، وكما ينقل أحدّ العاملين بالمرقد الطاهر، أنّها تسمية تعود لعشرات السنوات، حيث كانَ الزائرون يستمعون لأنين يخرج من القبر الطاهر للشهيدين، مما اضطرهم للجوء إلى الحوزة العلمية بالنجف الأشرف، للاستفهام عن هذه الظاهرة العجيبة، وقد أخبرهم أحد مراجع الدين آنذاك بأنّ هذين الولدين قد تعرّضا للمظلومية والأذى مثلما جرى على أهل البيت (عليهم السلام)، وأبلغهم بأن يكتبوا في مطلع الزيارة المخصوصة للشهيدين (السلام عليكما أيّها الشهيدان الحيّان)..

والمكان المنسوب إلى وَلَدي مسلم أنّه قبرهما، هو مكان مقتلهما، ويذهب الظنُّ القوي أنّه موضع دفنهما أيضاً، وإن كان جسداهما قد رُميا بعد القتل في نهر الفرات وحُمل رأساهما إلى عبيد الله بن زياد، وكان هنالك موضع سجنهما أيضاً، فإنهما دُفنا في الموضع ذاته بعد أن التُقِطا من الماء.

يقول السيّد عبدالرزّاق المقرّم لدى ذِكره هذا المرقد: إنّ “السيرة بين الشيعة على المُثول بمشهدهما الواقع بالقرب من المسيّب تفيد القطعَ به، وبناءً على ما أفادته الرواية (رواية الصدوق) مِن إلقاء بدنَيهما في الفرات، يكون هذا الموضع: إمّا محلَّ القتل، وإمّا أنّهما أُخرِجا فدُفِنا هناك”.

ويضيف السيّد المقرّم: إنّ “سيرة الشيعة، والشهرة بينهم، تُحقّق كونَ المشهد المعروف لولَدَي مسلم على الإجمال، ولم يحصل الشكّ في أدوارهم اتّباعاً للخلف على طريقة السلف، حتّى كثرت زُرافات الزائرين لهما تقرّباً إلى الله تعالى”.

وكما وصل إلينا تاريخياً فإن المرقد الشريف كان عامراً منذ القرون الأولى، حيث كان المؤمنون يَفِدون إليه للتبرّك به، حتّى تطوّر البناء وأصبح مُحاطاً ببساتين النخيل التي قيل إنّها من الوقف الخاصّ بالمرقد، فيما يُنسب بناء حرم أولاد مسلم إلى السيد محمّد حسين الصدر  وذلك في عام 1220هـ، ثم توالت بعدها حركات البناء وإضافة الأواويين وتوسيع الصحن الخارجي، وإيصال خدمات الماء والكهرباء إليه، فضلاً عن تزويده بالسجّاد والمفروشات لما يتيح للزائرين المكوث عند المرقد الشريف وأداء الزيارة المباركة فيه.

ويشهد المرقد الطاهر لولدي مسلم بن عقيل (عليهم السلام) في بتاريخ استشهادهما الموافق 23 ذي الحجة، إقامة مراسيم وطقوس العزاء، حيث تتوافد المواكب الحسينية على خدمة الزائرين وإقامة الشعائر الدينية، بالإضافة إلى ما يشهده خلال شهري محرم وصفر من توافد كثيف من الزائرين لزيارة المرقد الطاهر والتبرّك به، وإقامة طقوس العزاء والمصاب على سيد الشهداء الإمام الحسين (عليه السلام)، كما ويتم تقديم عروض مسرحية (تشابيه حسينية) لتخليد الذكرى المفجعة لمقتل هذين الطفلين اللذين أكرمهما الله تعالى وجعل من قبريهما قبلة للمحبّين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى