في مدينة سوجو الصينية الواقعة على ضفاف نهر (يانغستي) بمحافظة (جيانغسو)، تشير بقايا المساجد القديمة الباقية إلى الماضي الإسلامي للبلاد، فقبل عام 1949، كان في المدينة ما لا يقل عن (10 مساجد) من مختلف الأحجام والأهمية الاجتماعية، وكان العديد منها عبارة عن مبانٍ شاسعة تحتوي على زخارف متطورة، بينما كان البعض الآخر عبارة عن غرف صلاة صغيرة. أحدها مسجد نسائي ترأسه إمام.
ومع تعرّض الصين لحملة شرسة من قبل السلطات الحكومية لمسح وطمس التراث والتاريخ الإسلامي، مع ذلك تحتفظ أزقة وشوارع وأسواق مدينة سوجو (سرّاً) ببقايا بعض المساجد التي كانت فيما مضى نابضة بالحياة والصلوات.
وتتعرّض منطقة “شينجيانغ أويغور” المتمتعة بالحكم الذاتي إلى طمس حقيقة أن الإسلام كان يحظى بتقدير كبير من قبل الأباطرة الصينيين. بحسب ما نشره موقع (آي ساركاري يسولت) وتابعته (شيعة ويفز).
ومن السجلات المكتوبة والمراسيم الإمبراطورية المنقوشة على اللوحات الحجرية (آثار الألواح الحجرية الدائمة)، يتضح أن هذه المجتمعات الإسلامية حظيت بتفضيل الأباطرة – خاصة خلال فترة تانغ (618-907 م) ، ويوان (1271-1368) ، ومينغ (1368). -1644) وسلالات تشينغ (1644-1912).
كان ينظر إلى الإسلام بشكل إيجابي من قبل البلاط الإمبراطوري بسبب أخلاقه، والتي – فيما يتعلق بالأباطرة – عززت العلاقات المتناغمة والسلمية بين الشعوب المتنوعة في الأراضي الإمبراطورية.
وقبل تمرد بانثي وتونجان في النصف الثاني من القرن التاسع عشر في غرب الصين، عندما قُتل ملايين المسلمين أو نُقلوا، تم النظر إلى الإسلام بأنه يمثل تهديداً متزايداً، واعتبر الكثيرون في الغرب أن الإسلام لديه القدرة على أن يصبح الدين القومي في الصين – الأمر الذي كان سيجعل الصين أكبر دولة إسلامية في العالم.
اليوم ، سوجو هي مدينة غنية ونابضة بالحياة يبلغ عدد سكانها (12 مليون) شخص، وتقع على بعد (20 دقيقة) فقط بالقطار عالي السرعة من شنغهاي. وما تبقى من “سوتشو الإسلامية” يقع خارج سور المدينة إلى الشمال الغربي. لا يوجد سوى مسجد واحد نشط: هو مسجد (Taipingfang)، في منطقة شيلو التجارية.
تم ترميم هذا المسجد الوحيد عام (2018)، ويقع في زقاق صغير مزدحم بالزائرين والمصلين، وتحيط به المطاعم الصغيرة والفنادق وأكشاك الطعام والجزارين الذين يقدمون الطعام لمسلمي الأويغور.
وفيما مضى، كان مسجد النساء (Baolinqian)، واحداً من مجموعة من أربعة مساجد تم بناؤها خلال عهد أسرة تشينغ، وكلها مرتبطة بعائلة يانغ الثرية داخل أسوار المدينة في الجزء الشمالي الغربي من المدينة. تم تشييده في عام (1923)، وتم إنشاؤه بمبادرة من ثلاث نساء متزوجات من عائلة يانغ الذين تبرعوا بالمبنى وجمعوا التمويل من عائلات مسلمة أخرى لتحويله إلى مسجد للنساء.
خلال الثورة ما بين أعوام (1966-1976) تضررت مكتبة المسجد التي تحتوي على مصاحف شريفة وكتب إسلامية وتحول المبنى إلى منازل خاصة. ولم يبقَ شيء اليوم لإثبات أنه كان مسجدًا.
أما بالنسبة للمساجد القديمة في المدينة، فقد كان بينها مسجد آخر لعائلة يانغ، بني في عهد الإمبراطور الصيني تشينغ عام (1881)، وكان يعد أكبر مسجد في المدينة بمساحة تزيد عن (ثلاثة آلاف متر مربع)، ويضم سبعة أفنية.
وكانت القاعة الرئيسية لصلاة الجمعة مكونة من (10 غرف) وتتسع لأكثر من (300 شخص). واحتوى الفناء على مئذنة وسرادق.
أما مسجد (تيانكيوكاين) فقد بُني عام (1906) ويسكنه الآن سكان المدينة الفقراء نتيجة للممارسة التعسفية التي مارستها ما تُعرف بالثورة الثقافية (الهمجية)، وكان المسجد يغطي مساحة تقارب (2000 متر مربع)، ويضم صالة رئيسية وقاعة للضيوف وقاعة للصلاة وأماكن مخصصة للوضوء.
كما كان للعديد من المساجد مدارس تابعة تقوم بتعليم اللغة العربية والكتابات الإسلامية لأبناء الجاليات المسلمة.
وتعد مدينة سوجو من أوائل المراكز الثقافية حيث تم نشر الكتب الإسلامية المقدسة باللغة الصينية. تم إجراء الترجمات من الفارسية إلى الصينية من قبل علماء المدينة في القرن السادس عشر، بينهم (تشانغ تشونغ وتشو شيكي)، مما جعل المدينة مركزًا مبكرًا للثقافة الفكرية الإسلامية خلال حقب طويلة.