أخبارالعتبات والمزارات المقدسة

واسط: مرقد السيد محمد الحائري (العكّار).. كرامات ومعجزات

شيعة ويفز/ خاص

أطلقَ الباحث والكاتب العراقي نضير الخزرجي على شواهد مقامات ومراقد أئمة أهل البيت (عليهم السلام) وذراريهم في العراق وخارجه، مقولة (القبور الناطقة) في إشارة إلى الحقيقة التاريخية الأكيدة بأن انتشار هذه المراقد المباركة دلالة على حجم الظلم الذي تعرضوا له خلال حياتهم قتلاً وتهجيراً في بلاد الله الواسعة.

ومن هذه المراقد المباركة، التي تسلّط (شيعة ويفز) الضوء عليها، مرقد السيد محمد الحائري المعروف بالسيد (العكّار)، صاحب الكرامات العجيبة في شفاء المرضى، والكائن في قضاء الحي بمحافظة واسط العراقية.. فما قصّة صاحب هذا المرقد الشريف؟

المرقد الشريف وصاحبه المبارك

في منطقة لا تبعد كثيراً عن مركز قضاء الحي بواسط، يقعُ مرقد الشهيد السيد محمد الحائري العكّار، وهو ابن السيد إبراهيم المجاب بن محمد العابد بن الإمام موسى الكاظم (عليهم السلام)، والذي أصبحَ مركز إشعاع ديني وفكري ويؤمه الآلاف من محبي أهل البيت (عليهم السلام) من داخل العراق وخارجه، لما ناله من الكرامات وشفاء المرضى ببركة هذا العلوي الشهيد.

المرقد الشريف، تعلوه قبة ومنارتان لا تزال في طور التجديد والعمران، فيما يحيط بالمرقد المبارك سور كبير تحول إلى أشبه بالصحن المقسم إلى أواوين أو خانات، يتجمّع فيها الزائرون الوافدون للزيارة وطلب قضاء الحاجات.

وعن المرقد الشريف وصاحبه المهاب الجليل، يتحدّث الباحث الشيخ محمود الصافي قائلاً: إنّ “الإمام محمد الحائري عاصر الدولة العباسية وتحديداً المعتصم العباسي، وكان له دور كبير في التاريخ بنشر العقيدة الشيعية، كما خاض ثورة هاشمية طالب فيها بأخذ ثأر الإمام الحسين (عليه السلام) من قتلته ومغتصبي حق أهل البيت (عليهم السلام)”.

ويضيف أن “السيد محمد كان من قرّاء القرآن الكريم وفقيهاً شيعياً كبيراً، وله رصيد فقيه نسبة لكرامة نسبه للأئمة الأطهار (عليهم السلام)، وكانت له أدوار إسلامية عديدة سوى في المدينة المنورة أو الكوفة أو مدينة سامراء، كانت الأنظار تتوجه إليه في حل المسائل الفقهية والإجابة عليها”.

فيما يقول الزائرون بأنّهم “منذ لحظة دخولهم لزيارة المرقد الشريف يدب في داخلهم الإحساس والشعور بما حلّ من مآسٍ وويلات بأهل البيت (عليهم السلام) وما تحملوه من أذى الطغاة، وهو شعور يوصف بالغريب لكل من دخل المرقد المبارك”.

وكانت مساحة الصحن الخاص بالمرقد الشريف صغيرة فيما مضى، حتى هبّ المؤمنون الخيرون لتوسعتها، وإضافة مساحات جديدة لاحتضان الزائرين وإقامة مراسيم العبادة والذكر فيها، ووصلت المساحة الكلية في الوقت الحالي إلى (10600 متر مربع)، التي تحيط بالحرم الطاهر، كما تتوسّط الصحن الشريف، قطعة حجرية قديمة، يعلّق الزائرون عليها قطع القماش الخضراء (البيارغ) لطلب حوائجهم، وهي تقضى باذن الله تعالى وبكرامة من صاحب المرقد الطاهر.

ويذكر ماجد الكعبي أحد خدمة المرقد الشريف، أن “مرقد السيد محمد العكّار كان صغيراً، وعمل الساكنون وسدنة المرقد القدماء على توسعته شيئاً فشيئاً”، مضيفاً أن “البناء القديم كان عبارة عن ضريح صغير وطارمة لا تتعدى مساحتها (60 متراً) وتحيط بها غرف (طينية) تم تطويرها فيما بعد إلى بناء طابوقي، ويعود هذا التغير إلى أكثر من (350 سنة) مضت”.

في العام (1996) تم بناء قبّة جديدة للمرقد الشريف مكسية بالكاشي الكربلائي، كما يذكر الكعبي.

ويمضي بالقول: إن “المرقد الشريف شهد تطوراً عمرانياً بعد عام (2003)، وأصبحت المساحة العبادية بما فيها الضريح والطارمة (1280 متر مربع) ومساحة البناء الكلية تصل إلى (10600 متر مربع)، بإشراف من الخدمة وجهود الخيرين”.

نور من أنوار آل البيت (عليهم السلام)

بناء المرقد الطاهر عموماً، يماثل بناء المراقد الطاهرة لأئمة أهل البيت (عليهم السلام) من وجود الضريح الداخلي والطارمة الخارجية التي تحيط به، مع استخدام الأقواس والطراز الإسلامي في الهندسة المعمارية.

أما بالنسبة للقبر الشريف، فيحيط به شباك واسع من المعدن، يتلهّف الزائرون لمسكه وتقبيله والهمس لصاحبه بالحوائج المستعصية التي تقضى بكرامة إلهية عظيمة.

ويعود الكعبي للحديث عن سيرة حياة السيد العكّار فيقول: “كان (عليه السلام) عالماً وفقيهاً، وقام بعدّة ثورات ضد الظلم والطغيان، وآخرها ثورته ضد المعتصم العباسي، حيث خاض ثورة عنيفة وقاتل قتالاً عظيماً، حتى تم أسره وأخذه إلى سامراء، ثم جاءوا بعده إلى قصر اللعين الحجاج الثقفي الكائن في مدينة واسط العراقية، الذي قام بدوره بسجنه أيضاً لمدة أشهر”.

في سجن الحجاج، تعاطف أحد السجانين مع السيد العكّار، مما دفعه إلى إخراجه من السجن، لكن العملية كانت صعبة للغاية، فالسيد العكار كما يروي المؤرخون كان مريضاً بسبب ما تعرض له من السجن والأسر على يدي أعداء أهل البيت (عليهم السلام)، ولما رام بالخروج من السجن بمساعدة السجّان قفز من أعلى سور السجن فتكسّرت إحدى فقراته الظهرية، مما زاد من وضعه الصحي.

بعد ذلك توجّه السيد العكّار لعبور نهر كان يسمى سابقاً بنهر (الخابور) حتى وصل إلى منطقة (السلمانية) الكائنة بناحية البشائر في قضاء الحي بمحافظة واسط، حتى توفي (عليه السلام) في هذه المنطقة، ليشيّد قبره من قبل أخواله لأمه من قبيلة (كعب) والذين أصبحوا فيما بعد خدمة وسدنة مرقده الشريف.

قصة تسمية (العكّار)

بحسب المرويات الشفاهية التي وصلت إلينا، فقد أُطلق لقب (العكّار) على السيد محمد، بعدما شهد المرقد حادثة عجيبة، حيث يُنقل بأن القبر الشريف كانت تحيط به بساتين تزرع فيها الخضار والنخيل مخصصة كـ (وقف) للزائرين وإطعام الفقراء، وصادف أن بعض مربي الأغنام والمواشي جاءوا وأطلقوا عنان دوابهم فعبثت بالزرع، فحزن خدمة المرقد الشريف لما حصل بسبب فساد الزرع، ولما لم ينتهِ مربو الأغنام من فعلتهم، دعا الخدمة الله تعالى وباسم وبركة السيد العكّار أنْ يرد كيد وعبث هؤلاء، وإذا في اليوم الثاني، وقد عاد مربو المواشي مرّة أخرى للعبث في البستان وزرعه، وقد رأوا أن مواشيهم (عُقرت) أو ذبحت دون تدخل أحد، فهالهم المنظر وحزنوا حزناً شديداً، وجاءوا نادمين للمرقد الشريف، وأناخوا عنده وترجّوه بأنْ تسلمَ مواشيهم ورعيهم، وفعلاً وببركة إلهية اختصت صاحب المرقد الشريف، عادت المواشي للحياة مرّة أخرى، فجاءت تسمية العكار أو (العقّار) من (العقر) في اللغة العربية الفصحى.

اليوم، يشهد المرقد الشريف، توافداً كبيراً للزائرين، الذين يقدمون ويحلون في رحابه الطاهرة، لأدواء الصلوات والعبادات وذكر أهل البيت (عليهم السلام) وإحياء المجالس الحسينية والعزائية، ولا يعودون إلا بقضاء حوائجهم وشفاء مرضاهم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى