ذكر مقال في موقع صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، إنه جرى النظر إلى فوز إيمانويل ماكرون برئاسة فرنسا عام 2017 أمام مرشحة اليمين المتطرف ماري لوبن على أنه انتصار للوسط في وجه صعود القوى العنصرية والمعادية للأجانب والمهاجرين في فرنسا وأوربا.
وأضاف، أن بالنسبة للكثيرين كان ماكرون خيالا سياسيا أضحى واقعا ملموسا.
وأشار المقال إلى أنه كان هناك تضامن عالمي مع فرنسا بعد الهجوم على صحيفة تشارلي إبدو، ولكن على الرغم من قتل المدرس صامويل باتي وقطع رأسه، الذي أشعل العداوة بين الدولة الفرنسية وبين المسلمين من شعبها، لم يكن هناك تعبير واسع عن التضامن العالمي مع فرنسا.
ويضيف المقال، أنه في العام الذي شهد حركة “حياة السود مهمة”، واجه رد فرنسا على تلك الهجمات المريعة تدقيقا بشكل أكبر، وتعرض ماكرون، الذي كان بطلا لليبرالية في السابق، إلى نقد يستحقه ردا على تناغمه مع اليمين المتطرف والتعبير عن مشاعر الكراهية للمسلمين ومغازلته للسلطوية السياسية.
وأشار إلى أن ماكرون، الذي يمثل حيادية الدولة فيما يتعلق بالشؤون الدينية، تساءل في خطاب له في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي عما “يشكل تهديدا للجمهورية وقدرة الفرنسيين على العيش معا؟”، وأجاب مستخدما أسلوب لوبن وملقيا باللوم على ما أسماه “الانعزالية الإسلامية” وأنها التهديد الرئيسي ضد بلاده.
وأوضح المقال، أن من نفذ الهجمات الأخيرة هم ” أفراد مضطربون للغاية ولا علاقة لهم بشبكات الإرهاب الدولية، وهذا ما لا تريد حكومة ماكرون معالجته.”
وتابع، أن حكومة ماكرون ” تشن حربا ضد ما تسميه الحرب ضد الانعزالية الإسلامية الداخلية، وتضغط على قادة المجتمع الإسلامي في فرنسا للتوقيع على ميثاق قيم الجمهورية، واقترحت الحكومة إلغاء برامج التعليم مع معلمين من تركيا والمغرب والجزائر، كما ترغب في فرض قيود على التعليم المنزلي.”
وقال المقال، إن ماكرون يريد أن يشكل إسلام “التنوير” في فرنسا، ويقول إنه يريد “مساعدة هذا الدين في هيكلة نفسه في بلادنا”، ويضيف أن هذا أمر سيئ للغاية، أن مثل هذه الفكرة المنافقة تتعارض مع فكرة حيادية الدولة فيما يتعلق بالشؤون الدينية.
وذكر أن “لعبة ماكرون” اكتملت عندما حذر من أنه “ربما نجعل الناس يخافون من الجمهورية بفرض قواعدها بأسلوب لا تساهل فيه وإعادة بناء قوة القانون واستعادتها السيطرة في هذه المناطق الهامة، ولكن يجب علينا أن ندفع الناس لحب الجمهورية مرة أخرى عن طريق إظهار أنها قادرة على تمكين كل شخص من بناء حياته”.
وتابع المقال إن “فرنسا، تلك القوة الاستعمارية السابقة التي ارتكبت فظائع لا تعد ولا تحصى في كافة بقاع الأرض، ترفض أن ترى أو أن تقر بأن السود والعرب والمسلمين لديهم الكثير من الأسباب ليخافوا من الجمهورية، بعد أن حظر النقاب للمسلمات، كما أن العرب والسود أكثر عرضة من غيرهم في فرنسا ليكونوا ضحايا للتمييز من جانب الشرطة وعنفها في الأوقات العادية.”
ولفت المقال أن “نسبة السجناء من المسلمين تتراوح بين 60 إلى 70 في المئة من السجناء في فرنسا، وعندما أراد المواطنون حماية أنفسهم ضد الاعتداءات، حاولت الحكومة الفرنسية تقييد تصوير الشرطة الشهر الماضي، ولكن وبعد اعتراضات شديدة من جانب الصحافة والإعلام وجماعات الدفاع عن حقوق الإنسان، قالت الحكومة إنها ستراجع القانون المثير للجدل.”
ويقول المقال إنه ” بدلا من التعاطي بشكل واضح وأخلاقي مع تسليط الضوء عالميا على العلاقات بين الأعراق والتمييز وعنف الدولة في فرنسا، تعامل ماكرون ووسائل الإعلام الفرنسية بشكل هش ومتوتر.”
وأضاف أن “وسائل الإعلام الفرنسية انتقدت المعلقين الذين تحدثوا عن العنصرية وماضي فرنسا الملطخ بعنف، وتعرضت السيدات العرب والسود إلى هجوم إلكتروني من جانب صحفيين وإعلاميين وشخصيات بارزة ومرموقة في فرنسا، وتلقت بعضهن تهديدات بالقتل واتهمن بأنهن يمثلن تهديدا للشعب الفرنسي حول العالم من خلال قيامهن بتسليط الضوء على الطريقة التي يعامل بها المسلمون في فرنسا، وبدا كما لو أن فرنسا، السيدة الاستعمارية العجوز، لا تصدق أن رعاياها السابقين من الأفارقة والمسلمين يردون عليها.”
ويقول المقال، إنه “في عصر وسائل الإعلام الدولية وتزايد الوعي بفكرة استعلاء البيض والإرث الاستعماري، لا يمكن لفرنسا أن تتوقع أن تسيطر على الطريقة التي يتم بها تناول ماضيها ومستقبلها عالميا.”
وختم المقال بالقول، إنه يجب على العالم الانتباه لأصوات السود والأفارقة والعرب والمسلمين والمهاجرين في فرنسا والتي تحذر من أن فرنسا، بلد التنوير، يدخل منعطفا مظلما للغاية تحت حكم ماكرون.