أخبارالمقالات

سياسة ماكرون مع المسلمين.. تُظهر خوفاً مختبئاً من تحوّل الإسلام إلى “الدين الأول” في البلاد

شيعة ويفز/ خاص

تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأخيرة، بأن الإسلام يعيش أزمة، إضافة إلى تشجيعه ودفاعه عن نشر الرسوم المسيئة للنبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) يخفي خلفه بُعداً أكثرَ من هذه التصريحات اللا مسؤولة، فهنالك بحسب مراقبين خوفٌ من أن يتصدّر الإسلام بقية الديانات الأخرى ويكون الدين الأول لفرنسا العلمانية، فكان أقربَ وأسهل طريقة لماكرون من إثارة غضب المسلمين الإساءة المباشرة للنبي الأكرم، متأملاً وحالماً أنْ يتحوّل الأمر إلى أعمال تخريبية أو عنفية يستخدمها لإدانة المسلمين، ولكن ما حدثَ كان مغايراً ومفاجئاً له، حيث اكتفى غالبية المسلمين الذين ينطلقون من قاعدة التسامح واللاعنف بالاحتجاج والتنديد.. فعاد مرّة أخرى ليجدد موقفه من الإسلام وتشجيع نشر الرسوم الكاريكاتورية.
وبحسب الإحصائيات الجديدة، فإنّ الكاثوليكية المسيحية هي الدين الأول في البلاد في الوقت الحالي، وهي بذلك تتيح لعلمانية فرنسا بالتمدّد وترسيخ أسسها، في ظلّ إمكانية فصل الكنيسة عن الدولة من خلال مفهوم العلمانية الساري منذ قانون (1905)، وبالتالي لن يكون لرجال الدين والناشطين الدينيين دور في صياغة السياسة الفرنسية أو على الأقل تشخيص المصلحة السياسية للبلاد.

إذن.. ما الذي يخشاه ماكرون؟

تشير المعلومات الدقيقة إلى أن الدين الإسلامي أصبح منذ ستينيات القرن الماضي، الدينَ الثاني في فرنسا، ويُرتّب الإسلام حسب الأهمية مباشرة بعد الكاثوليكية، وقبل البروتستنتية واليهودية بكثير، كما ينتشر المسلمون في مدن فرنسا وفي ريفها على السواء.. هذا الانتشار للمسلمين وتوسّع المراكز الدينية وبناء المساجد والحسينيات والأنشطة الإسلامية المختلفة هي ما أصبحت تخيف الحكومة الفرنسية، فتعمل من خلال سياستها الإقصائية الجديدة على تحجيم دور المسلمين وتوجيه التهم لهم كي لا يتحوّل الإسلام إلى الدين الأول في فرنسا، وبالتالي فهو (أي الدين الإسلام) لا يتوافق في بنائه التشريعي والفكري الإلهي مع (العلمانية) وليست (الديمقراطية) كما يحلو للبعض إطلاق التهم.
كما أن الملاحظ بحسب ما تتناقله وسائل الإعلام، تصاعد الفكر اليميني المتطرّف (الذي يلهو ويمرح بمباركة الحكومة الفرنسية)، حيث يمكن العودة قليلاً إلى عام (2017) لنقف على محاولة (100 عضو) في البرلمان الفرنسي من أصحاب التوجّهات اليمينية إعاقة المسلمين من إقامة الصلاة، ومنها مثلاً إغلاق مسجد بضاحية كليشي يصلّي فيه قرابة خمسة آلاف مصلٍ يومياً، وبالتالي مثل هذا العدد ـ غير العادي ـ من المسلمين المصلّين في مسجد واحدٍ فقط وفي قلب العاصمة باريس.. أصبحَ منظراً مخيفاً بالنسبة لليمين المتطرّف وعلمانية فرنسا.

موقف فردي لا يمثّل المجتمع الغربي

يرى المراقبون أنّ هنالك تذبذباً في التعاطي الفرنسي مع المسلمين وتواجدهم داخل البلاد، إلا أنّهم يشيرون إلى أنّ الموقف الأخير لماكرون أصبح وكأنه يمثله لوحده وليسَ لفرنسا كاملةً، بل هو العكس من موقف سلفه (نيكولا ساركوزي) الذي كان يشجّع على بناء المساجد في المدن الفرنسية، وكذلك تشجيع المحال التجاري الكبرى على توفير اللحم الحلال على مدار السنة”.
في إزاء ذلك، تُظهر المعطيات العالمية، أنّ تخوّف الحكومة الفرنسية لا يمثّل توجه المجتمع الغربي بشكل عام من المسلمين، ففي ألمانيا مثلاً تسعى الدولة منذ عدة سنوات إلى دمج الإسلام من خلال إبرام عقود مع مختلف المساجد أو الجمعيات الإسلامية، وإذا كان هنالك فصل رسمي في الدستور بين الدين والسياسة، فإن الكيانين يكونانِ شريكين، وتعمل الدولة الألمانية على تمويل المستشفيات والمنظمات الاجتماعية التي تديرها الطوائف الدينية.
أما في أمريكا، يمكن أن نأخذ مثالاً على ترحيب الأمريكيين بالمسلمين وتشاركهم الحياة معاً، قصة السيناتور الجمهوري (بوب بينيت) الذي توفي قبل أربعة سنوات، فقد روت زوجته أنه تحوّل في أفكاره واهتماماته بشكل عجيب، كما قال بنفسه لإحدى الصحف المحلية أن “هنالك الكثير من المسلمين في هذه المنطقة مرحب بهم. وأنا سعيد جداً بوجودهم هنا”.
وتقول زوجته: بأنه “كان يسأل في ساعاته الأخيرة إن كان يوجد مسلمون في المستشفى حيث يُعالج، وتمنى لو ذهب إلى جميع المسلمين واحداً واحداً في الولايات المتحدة ليشكرهم على وجودهم في هذه البلاد، كما كان يذهب إلى المسلمات المحجّبات ليخبرهنّ أنه “سعيد بأنهن في أمريكا وأنهن مرحّب بهن هنا” كما تروي زوجته.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى