رسالة النبي الأكرم للبشرية جمعاء ويجب أن يعرفها العالم
بينما العالم الإسلامي مشغول اليوم، بالرد على الانتهاكات والإساءات الموجهة للإسلام وللنبي الأكرم (صلى الله عليه وآله)، يظهر هنا دور المصلحين والعلماء الأعلام في كيفية التعامل مع هذا الموضوع، وماذا يجب أن يفعله، وهل يكتفي بالتنديد والاستنكار أم عبر إشاعة الثقافة الإسلامية الحقيقية للتعريف بها للرد على هذه الإساءات.
يظهر من بين هؤلاء الأعلام، المرجع الديني الإمام السيد محمد الشيرازي (رضوان الله تعالى عليه)، الذي فتشنا في أوراقه ومؤلفاته للاستماع إلى نصائحه وتوجيهاته، وكان لـ (شيعة ويفز) هذا الحوار الصحفي (الافتراضي) مع سماحته:
شيعة ويفز: ماذا تقول عن عالم اليوم؟
الإمام الشيرازي: عالم اليوم أخذت المادة فيه بالأكظام، وطغت البهارج فيه على كل شيء، وانعدم فيه الاطمئنان والهدوء، وقامت فيه الثورات والحروب، مما أزعج الكل، وسلب الاستقرار والأمن على الجميع، فأخذ الناس يلتمسون المخرج الذي يوجب الهدوء والسكينة، والدواء الذي يُشفي هذا المرض العام ويُذهب بالآلام والأسقام.
ثم أن الحالة التي تعيشها الدنيا في الوقت الحاضر هي حالة مرضية بكل خصائص المرض، وما لم ترفع هذه الحالة إلى حالة صحية؛ فستظلّ الدنيا تتخبط في دياجير وظلمات ومشاكل أسوء من المشاكل التي كانت تتخبط فيها قبل ظهور الإسلام، فهي جاهلية ثانية أسوء من الجاهلية الأولى!!.. وعلى ما يبدو أن العالم عالم مجنون وليس عالم العقلاء، فالجنون ليس خاصاً بمن يقفز في الشارع، ويتسلّق الجدران ويشق ملابسه ويلوث بدنه، فإن المجنون أيضاً هو من يضرّ نفسه ويضر الآخرين.
شيعة ويفز: بماذا كنتَ تفكّر إذن خلال حياتك.. بماذا كنتَ تحلم أنْ يكون عليه الناس؟
الإمام الشيرازي: كنتُ أفكّر منذ زمن بعيد أنه لو عمل الناس بالإسلام، كما أنزله إله السماء؛ لكان منه العلاج التام، وإزالة كل قلق واضطراب ومرض وهيام، فالإسلام حياة ونور واطمئنان وسلام، وقال تعالى: (ألا بذكر الله تطمئن القلوب)، لكن الجماهير الكثيرة من المسلمين ـ فكيف بغير المسلمين ـ يجهلون هذه الحقيقة، ولذا يعانون كل هذه الويلات كالذي يعيش فوق كنز، في جوع وعري وشقاء….
شيعة ويفز: في كثير المرات تصدر إساءات مباشرة للإسلام وللنبي الأكرم (صلى الله عليه وآله)، فماذا يجب أن يعرف العالم عن هذه الشخصية العظيمة؟
الإمام الشيرازي: يمكن لأي أحد أن يعرف ما كان عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) بمطالعة سيرته المباركة، فقد كان (صلى الله عليه وآله) يكرّم الإنسان بما هو إنسان، تكريماً فوق كل تكريم، مع قطع النظر عن دنيه ومعتقداته، وأعتقد أن أفضل منشور لحقوق الإنسان هو ما جاء به (عليه أفضل الصلاة والسلام)، فقد روي أنه (صلى الله عليه وآله) نظر إلى الكعبة وقال: مرحباً بالبيت ما أعظمك وما أعظم حرمتك على الله، والله للمؤمن أعظم حرمة منك، لأن الله حرم منك واحدة ومن المؤمن ثلاثة: ماله ودمه وأن يظن به ظن السوء.
وقال (صلى الله عليه وآله): “من آذى مؤمناً فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله فهو ملعون في التوراة والإنجيل والزبور والفرقان.. وقال أيضاً (عليه أفضل الصلاة والسلام): “من آذى ذمّياً (غير المسلم) فقد آذاني”، فقد كان من أبرز صفات الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) انّه كان لا عنفاً إلى أبعد حدّ، وقد دعا القرآن الكريم المسلمين قاطبة أن يدخلوا تحت ظلّ هذا القانون، فقال عزّ من قائل: (ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً)، ولا يخفى أنّ السلم أقوى وأكثر دلالة من اللاعنف.
شيعة ويفز: الغرب اليوم متخوّف من الإسلام وينظر إليه بسخرية وهلع أيضاً، هل هذا الموقف حقيقي فعلاً وما هو تعليقك على الأمر؟
الإمام الشيرازي: لقد جاءت الشريعة الإسلامية بكل ما فيه الخير والصلاح للبشرية جمعاء، أما بالنسبة لموقف الغرب، فهو ليس موقفاً كلياً، أنقل مثلاً كلاماً لـ (برنارد شو) يقول فيه: “لو تولّى العالم الأوربي رجلٌ كمحمّد لشفاهُ من علله كافة، بل يجب أن يُدعي منقذ الإنسانية، إنني أعتقد أن الديانة المحمدية هي الديانة الوحيدة التي تكون حائزة لجميع الشرائط اللازمة، وتكون موافقة لشتى مرافق الحياة، لقد تنبئت بأن دين محمد سيكون مقبولاً لدى أوربا غداً، وقد بدى يكون مقبولاً لديها اليوم، فما أحوج العالم اليوم إلى رجل كمحمّد يحلّ مشاكل العالم”.
كما استعين هنا بقول الفيلسوف (كيرللس الأول): إن “في الشرق قانوناً قد نظمه وأسسه الفيلسوف العربي (محمد) لو أن العالم بجميع عناصر اتبع نهجه والتزموا جميعا بقانونه لم يكُ في العالم كله دولتان بل دولة واحدة، ولم يختلف اثنان ولم يفتقر أحد إلى أحد”، إلى غيرها من التصريحات الكثيرة من مفكري الغرب وفلاسفته.
شيعة ويفز: إذن.. هل من الضروري تعريف الناس بالإسلام؟!
الإمام الشيرازي: ضروري طبعاً، تعريفهم بالإسلام علّه يوجب لهم الأخذ به، فالسعادة في الدنيا، فالفوز بجنة عرضها السماوات والأرض في الآخرة.
شيعة ويفز: سؤلت في مرّة سابقة، بسؤال: هل الإسلام صالح للبقاء إلى الأبد، وهل يصلح لكل زمان ومكان وأمة، فما كان ردّك؟
الإمام الشيرازي: أنزل الله تعالى الإسلام ليكون دين البشر إلى الأبد، في جميع الأزمان والبلاد، ولجميع الأمم كافة، كما أنه يكفي لجميع حاجات البشر حتى المتجدّدة منها؛ لأنه دين أنزله الله بكل الأمور.
شيعة ويفز: ما هي نظرة الإسلام إلى الحياة الدنيا؟ وهل الإسلام دين للمادة أو الروح أو لهما؟
الإمام الشيرازي: نظرة الإسلام إلى الحياة، وإلى المادة والروح تتلخص في قوله سبحانه وتعالى: (ومنهم من يقول: ربّنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، أولئك لهم نصيب مما كسبوا)، وفي الحديث الشريف: (ليس منّا من تركَ دنياهُ لآخرتِه، وليس منّا من تركَ آخرتَهُ لدنياه).
شيعة ويفز: هل من كلمة أخيرة يتفضّل بها سماحتكم؟
الإمام الشيرازي: يجب أن نعرف أن الإنسان يحب الملاذ والراحة، وهما عدوّان للرقيّ والتقدّم، ويسبّبان الكسلَ والخمول، والتأخر والانحطاط، ولذا كان من اللازم على الإنسان (النشاط)، فهي ملكة تجر الإنسان إلى الأمام، في جميع جوانبه المختلفة، وكل فرد خلا من النشاط فهو فرد ساقط، وكل أمة خلت من النشاط، فهي أمّة منحطّة.. ثم أن على الإنسان أن يقوم بدور المصلح مهما تمكن: إصلاح الأرض بالعمران، وإصلاح بالنفوس بالتهذيب وإصلاح المجتمع بتمهيد السبيل أمامه للرقي والسمو، وإصلاح الأوضاع التي فسدت أو أفسدها الظالمون.