
مقال أكاديمي بريطاني يتناول صمود القيم الإسلامية في مواجهة الشعبوية الغربية
تشهد الساحة السياسية البريطانية تحوّلًا لافتًا، مع تصاعد الحضور الإسلامي بوصفه قوة اجتماعية وسياسية فاعلة، لا تكتفي بالاندماج الصامت، بل تفرض خطابها القيمي بوضوح وثقة.
وهذا ما كشفته قراءة تحليلية معمّقة نشرها الأكاديمي والباحث الاجتماعي المعروف، الدكتور رقيب إحسان في صحيفة “أنهيرد” البريطانية البارزة، تناول فيها ملامح التحوّل العميق داخل المجتمع المسلم في بريطانيا.
التحليل يسلّط الضوء على نموذج جديد من المسلمين البريطانيين: متعلمون، واثقون بهويتهم، ومنخرطون في الشأن العام، لا يرون تعارضًا بين الانتماء الوطني والالتزام الديني. ويبرز هذا التحول من خلال شخصيات سياسية صاعدة، ترى في الإسلام مرجعية أخلاقية لمواقفها، سواء في قضايا العدالة الجنائية أو الموقف من الظلم العالمي، وفي مقدّمته قضية فلسطين.
ويؤكد المقال أن المدن البريطانية، مثل لوتون وبلاكبيرن وبرمنغهام، أصبحت مختبرًا حيًا لهذا التغيّر، حيث تتزايد أعداد المسلمين بشكل ملحوظ، مدعومة بارتفاع معدلات المواليد وتراجع الانتماء الديني التقليدي لدى غير المسلمين. هذه التحولات الديموغرافية لم تبقَ أرقامًا صامتة، بل ترجمت نفسها إلى نفوذ انتخابي وحراك سياسي منظم.
الدراسة تشير إلى ما يمكن تسميته “فشل نظرية الذوبان”، إذ لم يؤدّ الاندماج الاجتماعي والاقتصادي إلى تراجع الهوية الدينية، بل على العكس، عزّز لدى الجيل المسلم الشاب شعورًا أعمق بالانتماء للإسلام، بوصفه إطارًا أخلاقيًا يحمي الأسرة، ويضبط السلوك، ويمنح معنى في مجتمع يعاني من تفكك قيمي واضح.
وفي مقابل الخطاب الليبرالي السائد، يتمسّك المسلمون المحافظون اجتماعيًا برؤية مختلفة لقضايا الأسرة والعلاقات بين الجنسين، معتبرين أن النموذج الغربي لم ينجح في حماية الاستقرار الاجتماعي، بل قاد إلى أزمات ديموغرافية وأخلاقية تهدد مستقبل بريطانيا نفسها. ورغم الهجوم الإعلامي والسياسي، يواصل هذا التيار تثبيت حضوره بثبات ودون اعتذار.
كما يلفت المقال إلى أن المسلمين البريطانيين باتوا يرفضون منطق “المسؤولية الجماعية”، الذي يُحمّلهم تبعات أزمات أمنية أو اجتماعية، مؤكدين في المقابل التزامهم بالقانون ورفضهم الصريح للجريمة والانحراف، بل وتبنّيهم مواقف أكثر حزمًا من بعض التيارات الليبرالية في قضايا الأمن والعدالة.
سياسيًا، يكشف التحليل عن تراجع ثقة شريحة واسعة من المسلمين بحزب العمال، على خلفية مواقفه من القضايا الإسلامية العادلة، ما دفعهم إلى دعم مرشحين مستقلين، أو بناء تحالفات قائمة على الهوية والقيم، في تطور قد يعيد رسم الخريطة الانتخابية البريطانية، خاصة في المدن ذات الكثافة المسلمة.
اللافت أن هذا الصعود لم يقتصر على السياسة، بل امتد إلى الرياضة، والأعمال، والمجتمع المدني، حيث يعبّر المسلمون البريطانيون الجدد عن هويتهم بثقة، دون سعي للاسترضاء أو التخفي، مؤكدين أن الإسلام جزء حيّ من المشهد البريطاني المعاصر.




