أخبارالمقالات

الرسالة الحضارية لزيارة أبي عبد الله الحسين عليه السلام

تحمل زيارة أبي عبد الله الحسين عليه السلام، وعلى وجه الخصوص زيارة الأربعين، رسالة حضارية خالدة، تجاوزت حدود الزمان والمكان، وانطلقت من كربلاء لتخاطب قلوب العالم بأسره، بكل لغاته وثقافاته وشعوبه.
لم تعد زيارة الإمام الحسين عليه السلام مجرّد ممارسة دينية تقليدية أو طقسًا يحييه أتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام، بل أصبحت ظاهرة إنسانية عالمية بكل المقاييس، تستقطب ملايين الزائرين من شتى بقاع الأرض، وتتصدّر عناوين وسائل الإعلام في كل موسم، حتى أصبحت أكبر تجمّع بشري سنويٍّ سلمي في العالم، بشهادة الأرقام والوقائع.

من كربلاء.. صوتٌ يهزّ الضمير الإنساني
كربلاء اليوم لم تعد فقط موطنًا لثورة استشهد فيها حفيد رسول الله صلى الله عليه وآله، بل صارت رمزًا عالميًّا للعدل والكرامة والتضحية. إنّ من يمشي في طريق الحسين عليه السلام، إنما يمشي في طريق الأنبياء، ويهتف بالحقّ في وجه الطغيان، ويحمل لواء الإصلاح في زمن باتت فيه القيم غريبة عن الواقع.
قال الإمام الرضا عن أبيه عن الإمام الصادق عليهما السلام:
«أَخْبَرَنِي أَبِي: أَنَّ مَنْ زَارَ قَبْرَ اَلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عَارِفاً بِحَقِّهِ كَتَبَهُ اَللَّهُ فِي عِلِّيِّينَ».
هذه المعرفة الحقيقية بحق الحسين، هي مفتاح الرسالة الحضارية الكبرى، وهي التي تجعل من الزائر، إنسانًا يحمل فكرًا وقضيّة، لا مجرّد مؤدٍّ لطقسٍ أو شعيرة.

الزيارة تعلّمنا كيف نكون أوفياء للحق
الزيارة ليست مجرّد نزهة روحية، بل هي عهد وولاء وإعلان انتماء إلى مدرسة محمد وآل محمد، التي تتلخّص في كلمات الإمام الحسين عليه السلام:
«إنما خرجتُ لطلب الإصلاح في أمة جدي».
فالزائر حين يخاطب الحسين عليه السلام، يبايعه على أن يقتدي به، في أقواله وأفعاله، وأن يحمل رسالته، ويعبّر عنها بأخلاقه وسلوكه، وبتسامحه وعدله في مجتمعه ووطنه.
في زيارة الأربعين، يخرج الناس من بيوتهم، من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال، من المدن إلى القرى، صغارًا وكبارًا، فقراء وأغنياء، نساءً ورجالًا، يمشون حبًّا وولاءً، ويخدم بعضهم بعضًا بلا مقابل، في مشهدٍ قلّ نظيره، بل هو درسٌ حضاري في التعاون والتراحم والتواضع والشراكة الإنسانية.

زيارة الأربعين.. منبرٌ عالمي لقيم الإسلام الأصيل
في الوقت الذي يُساء فيه إلى صورة الإسلام من قبل المتطرّفين، تقدّم زيارة الأربعين الصورة النقيّة للإسلام المحمّدي الأصيل، كما علّمه رسول الله صلى الله عليه وآله، وكما جسّده أهل بيته الطاهرون.
ففي كربلاء، لا يُسأل الزائر عن مذهبه أو جنسيته أو لونه، بل يُستقبل الجميع بخبزٍ وابتسامة، وماءٍ وكرامة. إنها رسالة تتجاوز الشعارات إلى الواقع، وتتجاوز الأيديولوجيا إلى الرحمة، وتُثبت للعالم أن الحسين عليه السلام ليس ملكًا لطائفة، بل إمامٌ لكلّ الأحرار، ولكلّ من ينشد الكرامة والحرية.
على خطى الحسين… ولادة جديدة للإنسان
إنّ من يزور الحسين عليه السلام بصدق، يرجع إنسانًا جديدًا، لأنه لم يذهب إلى ضريحٍ فقط، بل وقف أمام مدرسةٍ حيّة، قرأ فيها معاني الإيثار والصبر والشجاعة والصدق، وتعلّم منها كيف يعيش بقلبٍ لا يُباع، وكرامةٍ لا تُشترى.
ففي زيارات أهل البيت، وخصوصًا زيارة الأربعين، يُكرّر الزائر:
«اللَّهُمَّ اجعل محياي محيا محمد وآل محمد، ومماتي ممات محمد وآل محمد»،
ويُعلن:
«اللَّهُمَّ اجعل لما أقول بلساني حقيقةً في قلبي، وشريعةً في عملي».
إنه الإيمان الذي يتحوّل إلى سلوك، والزيارة التي تتحوّل إلى مسار حياة، والولاء الذي يصبح مشروعًا أخلاقيًّا وإنسانيًّا في كل تفاصيل اليوم.

الحسين يوحدنا
من هنا، فإنّ زيارة الإمام الحسين عليه السلام تمثّل رسالة حضارية جامعة، تستنهض في الإنسان فطرته، وتعيد إليه روحه، وتُشعره أن في هذا العالم – رغم الظلم – من لا يزال يهتف بالحقّ، ويحيي القيم، ويؤمن بالعدالة الإلهية.
زيارة الحسين، هي صيحة حبّ، وصوت ضمير، ونبض حياة.
فلنكن زائرين بحق، نُجدد العهد، ونحمل الرسالة، ونمضي على خطى أبي الأحرار… الحسين عليه السلام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى