
تعيش أفغانستان اليوم واحدة من أشد مراحلها قسوة، في ظل أزمات اقتصادية واجتماعية وسياسية متراكبة، تزامنت مع موجة عودة قسرية لآلاف اللاجئين الأفغان من الدول المجاورة، حيث تُجبر هذه الفئة الضعيفة على العودة إلى بلد عاجز عن توفير أبسط مقومات الحياة.
وتأتي هذه العودة، التي لا تتم طوعًا بل تحت ضغط السياسات الصارمة للدول المضيفة، في وقت تواجه فيه أفغانستان انهيارًا اقتصاديًا غير مسبوق. فوفقًا لأحدث تقرير صادر عن شبكة أزمة الغذاء العالمية، باتت البلاد واحدة من بين تسع دول تعاني من أعلى معدلات الجوع في العالم، حيث يعيش أكثر من مليون شخص في حالة جوع شديد وطارئ.
الاقتصاد الأفغاني، المحروم من الدعم الدولي منذ سيطرة طالبـ،ـان على الحكم، يشهد تدهورًا حادًا. المساعدات الخارجية التي كانت تسد بعض الاحتياجات الأساسية توقفت أو تقلصت بشكل كبير، فيما فرضت العقوبات العالمية عزلة خانقة على النظام المالي والمصرفي، ما جعل العديد من البنوك والمؤسسات غير قادرة على تقديم خدماتها الأساسية.
وتنعكس هذه الأوضاع بشكل مباشر على العائدين، الذين لا يجدون مكانًا في سوق العمل المنهار أصلًا، في ظل بطالة مرتفعة وانعدام لأي خطة حكومية منهجية لدعمهم. وقد فاقم الأمر قرار طالبـ،ـان فصل أعداد كبيرة من موظفي الدولة السابقين، ما أدى إلى ارتفاع البطالة وتراجع مستوى الخدمات العامة.
وتُعد حركة طالبـ،ـان، التي وصلت إلى السلطة بشعارات محاربة الفساد، اليوم جزءًا من منظومة فساد منظم. فقد وضعت يدها على الموارد الطبيعية للبلاد، من مناجم الذهب إلى الليثيوم، بالشراكة مع شركات أجنبية، وسط عمليات استخراج غير قانونية وغياب الشفافية. فيما تبقى عائدات هذه الثروات حكرًا على قادة الحركة، بينما يرزح الشعب تحت وطأة الفقر.
وفي جانب آخر من الأزمة، تواجه النساء الأفغانيات، وخصوصًا غير المصحوبات بذويهن، تمييزًا ممنهجًا أخرجهن من التعليم والعمل والمجال العام. وتشير التقارير إلى استبعاد النساء من الجامعات، وطرد الأكاديميات، وحرمانهن من أبسط حقوقهن، مما حرم البلاد من نصف طاقتها البشرية.
عودة اللاجئين إلى هذا المشهد المتدهور تفرض ضغطًا هائلًا على المجتمع، الذي يعاني أساسًا من غياب البنية التحتية في القطاعات الحيوية كالصحة والتعليم والإسكان. وتجد العديد من الأسر العائدة نفسها في مواجهة الفقر المدقع والتشرد في بلد عاجز عن استقبالهم أو توفير أي أفق لحياة كريمة.
إن أفغانستان اليوم على مفترق طرق خطير. فمع تدهور مؤسسات الدولة، وتفشي الفساد، واستمرار الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وانعدام الرؤية السياسية، يبدو مستقبل البلاد مرهونًا بقدرتها على كسر حلقة الانهيار، وإلّا فإنها تتجه نحو مزيد من العزلة والانهيار طويل الأمد، ما يُنذر بمصير قاتم للأجيال القادمة.