
في أحد أحياء هارلم الصاخبة بمدينة نيويورك، يتوقف الزوار أمام صالون حلاقة متواضع، لا يبدو للوهلة الأولى مميزًا، لكنه يحمل بين جدرانه قصة تاريخية فريدة. هذا الصالون كان مقرًّا لأول منظمة إسلامية بورتوريكية في الولايات المتحدة تُعرف باسم “أليانزا إسلاميكا”، وهو نقطة انطلاق لجولة تكشف عمق التاريخ الإسلامي المطمور في أزقة المدينة.
الجولة يقودها أسعد دانديا، مؤرخ ومثقف أمريكي من أصل باكستاني، ومؤسس شركة “نيويورك ناراتيفز” التي أُنشئت عام 2023 بهدف تسليط الضوء على الإسهامات الحقيقية للمسلمين في نسيج نيويورك الحضاري، بعيدًا عن الصور النمطية والإسلاموفوبيا التي تفاقمت بعد أحداث 11 أيلول.
يقول دانديا في لقاء مع شبكة “أسوشيتد بريس”، وترجمته وكالة “أخبار الشيعة”: “المسلمون جزء أصيل من هذه المدينة. وجودهم لا يقتصر على المساجد، بل يمتد إلى المطاعم، وصالونات الحلاقة، والمدارس، والمستشفيات، وأكشاك الطعام، والحركات الاجتماعية.” ويشير إلى أن جذور المسلمين في نيويورك تعود لما يقرب من 400 عام، حيث كان لهم دور بارز في إثراء ثقافة وحضارة المدينة.
تركز الجولات التي يقيمها دانديا على التنوع الإسلامي في نيويورك، بداية من البنغاليين في هارلم الإسبانية، إلى السنغاليين في “ليتل سنغال”، وصولاً إلى تاريخ أمة الإسلام، الصوفيين، والمسلمين من أصول لاتينية. وتختتم الرحلة عادةً أمام مسجد مالكولم شباز، المكان الذي وقف فيه الزعيم مالكوم إكس يلقي خطبه دفاعًا عن العدالة والكرامة.
دانديا لا يقدم مجرد جولات سياحية، بل يعيد كتابة التاريخ الإسلامي من منظور منسي، مستندًا إلى أرشيفات، مقابلات مع قادة المجتمعات، ومصادر موثوقة ليحكي قصصًا لم تحظَ بالظهور في كتب التاريخ الرسمية. كما يؤكد: “هناك العديد من القصص التي صمت عنها المؤرخون، لكنها ظلت تنبض بالحياة في الأزقة والأسواق والمساجد الصغيرة.”
يرى دانديا أن مشروعه يتماشى مع رؤية إسلامية تجعل من الدين حضارة حية متغلغلة في نسيج المجتمع، تعبر عن نفسها في العمل والعلم والكرامة وخدمة الناس، رافضًا النظرة الغربية النمطية التي تصوّر الإسلام كدين منعزل أو متطرف.
وكان دانديا قد تعاون مع مؤسسات كبيرة مثل متحف مدينة نيويورك، معرض “مدينة الإيمان”، ومتحف تينمينت، ليكشف عن وجه المدينة المتعدد الديانات والهويات، مؤكداً أن المسلمين ليسوا غرباء على هذه الأرض، بل هم جزء لا يتجزأ من بنائها الروحي والثقافي.