أخبارالعالم الاسلامي

الفايكنج في مرآة الوثائق الإسلامية: حين واجه غزاة الشمال حضارةً قاومتهم بالعدل والسيف

بينما ترسخت في الذاكرة الغربية صورة الفايكنج كمستكشفين ومغامرين أبحروا نحو المجهول، تكشف الوثائق الإسلامية فصولًا مغايرة قلّما وجدت طريقها إلى كتب التاريخ السائد، فصولًا تُظهر الفايكنج كغزاة عنيفين اجتاحوا مدنًا إسلامية مزدهرة، قبل أن تُواجَه همجيتهم بردّ حازم من حضارةٍ راسخة في التنظيم والعدل والدين.
تبدأ هذه المواجهة في عام 844 ميلادية، حين ظهرت سفن الفايكنج، التي سماها المؤرخون المسلمون بـ”سفن المجوس”، على ضفاف نهر الوادي الكبير متجهةً نحو مدينة إشبيلية في الأندلس. فاجتاح الغزاة ضواحي المدينة ونهبوا وقتلوا دون تمييز، لكن الرد لم يتأخر، إذ قاد الأمير عبد الرحمن الثاني جيش المسلمين في معركة طاحنة انتهت بدحر الغزاة، في مشهدٍ سجّل تفوّق التنظيم الإسلامي على عنف الشماليين.
غير أن طموحات الفايكنج لم تتوقف عند الأندلس، فقد واصلوا زحفهم نحو شمال إفريقيا وبلاد الشام وما بين النهرين، وعبروا الأنهار الروسية حتى بحر قزوين، حيث وثّق المؤرخ المسعودي غاراتهم على مدن فارس، مشيرًا إلى حجم الدمار والمعاناة التي خلّفوها من قتلٍ ونهبٍ واستعباد.
تحرّك الفايكنج بدوافع جشع واضحة نحو ثروات العالم الإسلامي، الذي كان في أوج ازدهاره الحضاري، بعلمه وتجاراته وسِلعه النفيسة من الفضة والأقمشة والتوابل، ما جعله هدفًا لطموحات هؤلاء القادمين من أراضٍ باردة وفقيرة.
ورغم العنف، لم تخلُ تلك العلاقة من تفاعلات ثقافية غير مباشرة، تجسدت في تبادل محدود للبضائع والعادات. فقد عُثر على نقود إسلامية في قبور الفايكنج، وظهرت بعض التأثيرات الفنية الإسلامية في مظاهر حياتهم، إلا أن تلك التفاعلات لم تغيّر من حقيقة موقعهم التاريخي كغزاة في مواجهة أمة تدافع عن حضارتها.
ومن الشواهد الغريبة على هذا التداخل، النقش الشهير داخل مسجد آيا صوفيا في إسطنبول، والذي كتب فيه أحد مقاتلي الفايكنج: «هالفدان كان هنا»، شاهدًا على عبور عابر في أرضٍ صامدة لم ترضخ لعدوانهم.
إن استعادة هذه الصفحات المجهولة من التاريخ تُعيد التوازن إلى السرد، حين يُروى من زاوية أمة قاومت، لا أمة استُبيحت. لقد واجه الإسلام غزاة الشمال بالسيف حينًا، وبالقلم دائمًا، مؤكدًا أن أراضيه لم تكن يومًا سائبة، بل حصنًا لحضارةٍ أنشأت نظامها على العدل والرحمة في وجه الهمجية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى