
استعرض مقال أمريكي حديث، التاريخ الدموي المعقّد لإندونيسيا، الدولة ذات الأغلبية المسلمة الأكبر في العالم، كاشفًا عن دور المخابرات المركزية الأمريكية في دعم واحدة من أفظع المجازر السياسية في القرن العشرين، وانتقادًا للواجهة الإعلامية التي تصف البلاد بـ”أرض التسامح”.
وكتب أستاذ الفلسفة والأديان في جامعة “أيداهو” الأميركية، نيك جير، في مقاله، أن إندونيسيا، رغم اعترافها بست ديانات رسمية وعدد من الديانات “العالمية الثانوية”، تبقى ساحة لتناقض صارخ بين التعدد الظاهري والتمييز العميق، مشيرًا إلى أن البلاد شهدت في عام 1965 مذبحة راح ضحيتها نحو نصف مليون شخص من أتباع الحزب الشيوعي، في حملة لم تستند إلى أدلة بقدر ما اعتمدت على الربط الاتهامي بين الشيوعية والإلحاد.
وأكد الكاتب أن هذه الحملة الدموية نُفذت بدعم مباشر من وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، التي زوّدت السلطات الإندونيسية بـ”قائمة اغتيالات كاملة”، مضيفًا أن تلك المرحلة شهدت أيضًا فرض بطاقات هوية تُظهر ديانة المواطنين لأول مرة.
وتوقف المقال عند مفارقة دعم الحكومة الإندونيسية لمعبد “بوروبودور” البوذي العريق، الذي جُمعت له ملايين الدولارات لترميمه بمساعدة ألمانيا واليونسكو، رغم تصاعد التيارات المتشددة التي تستهدف الرموز غير الإسلامية.
كما استعاد جير تفجيرات بالي عام 2002، التي نفذتها “الجماعة الإسلامية” المرتبطة بتنظيم القاعدة، وراح ضحيتها 202 شخصًا معظمهم من الأجانب، ليرى فيها رسالة متطرفة موجهة للعالم تحت شعار “ستُقصفون كما تقصفون”، على حد تعبير زعيم التنظيم أسامة بن لادن.
وأشار المقال إلى تصاعد موجات التكفير في البلاد منذ عام 2004، وتحول هذا المفهوم إلى أداة سياسية وقانونية تُستخدم ضد المفكرين والأقليات الدينية، حيث سُجّلت 19 قضية تكفير في عام 2023 وحده، ما يعكس تعمّق النهج الإقصائي وانحسار هامش التعدد الحقيقي.
كما تناول الكاتب مثالًا دامغًا من مقاطعة مالوكو، حيث فجر قرار حكومي بـ”تفريغ” جزيرة جاوة من الاكتظاظ السكاني ونقل الآلاف من المتطرفين إلى المنطقة التي يشكل المسيحيون أغلبيتها، حربًا دينية في عام 1999 أوقعت أكثر من ألف قتيل وتسببت في تدمير عشرات المساجد والكنائس.
واختتم المقال بتساؤل نقدي: هل ما زالت إندونيسيا تستحق لقب “أرض التسامح”، في ظل هذا التاريخ الحافل بالتمييز، والمجازر، وتحول الدين إلى أداة قمع سياسي؟