
يتصاعد الفقر والبطالة في عموم أفغانستان منذ استعادة طالبـ،ـان السيطرة على البلاد في أغسطس/آب 2021، غير أن المعاناة تشتد أكثر في المناطق ذات الغالبية الشيعية، حيث يتقاطع الحرمان الاقتصادي مع تمييز طويل الأمد.
وتعد المناطق التي يسكنها الشيعة، وخاصة من قومية الهزارة، من بين الأكثر تضررًا بالأزمة الإنسانية، بحسب تقارير الأمم المتحدة، التي تشير إلى أن هذه المجتمعات تعاني من إقصاء مزدوج: تفاقم الجفاف الذي دمّر الاقتصاد الزراعي المحلي، والسياسات التمييزية التي تمارسها السلطات الحاكمة.
وتكشف تقارير أممية متكررة عن تدخل طالبـ،ـان في توزيع المساعدات الإنسانية، وحرمان المناطق الشيعية منها، أو تحويلها إلى مناطق أخرى في البلاد، في انتهاك واضح لمبادئ العدالة والحياد الإنساني. هذا الحجب المتعمد للمساعدات يزيد من قسوة الظروف المعيشية لعائلات كثيرة تعاني أساسًا من الفقر المدقع.
في مواجهة هذا الواقع، لا يجد آلاف العمال الشيعة خيارًا سوى التوجه إلى المهن الأخطر والأكثر هشاشة، سواء داخل البلاد أو في دول الجوار، في محاولة يائسة لتوفير لقمة العيش لعائلاتهم.
يُعد العمل في مناجم الفحم الحجري من أكثر المهن التي يلجأ إليها الشيعة الهزارة رغم ظروفها القاسية، سواء في أفغانستان أو خارجها، مثل باكستان وطاجيكستان وإيران. وغالبًا ما يعملون في هذه المناجم دون أي ضمانات صحية أو مهنية، وسط غياب شبه تام للرقابة أو اشتراطات السلامة.
وقد وقعت حوادث مؤلمة أودت بحياة العديد من العمال، من بينها مصرع ثمانية من الهزارة مؤخراً في انفجار غاز بمنجم للفحم في ولاية “سُغد” شمال طاجيكستان، إلى جانب وفاة عامل ستيني في منجم بمدينة دره صوف بولاية سمنغان، شمالي أفغانستان، بعد انهيار أرضي.
كما يُجبر العديد من الشباب الشيعة على مغادرة البلاد للعمل في قطاع البناء في الدول المجاورة، وغالبًا ما يكونون غير مدربين بشكل كاف، مما يجعلهم عرضة للحوادث المميتة. وقد وثّقت تقارير محلية ودولية سقوط عدد من هؤلاء العمال من مبانٍ شاهقة خلال العمل، ووفاتهم في ظروف صعبة.
ويُذكر أن العديد من الضحايا هم من فئة الشباب المتعلم الذين فرّوا من سيطرة طالبـ،ـان بحثًا عن الأمان وفرص عمل، غير أن رحلتهم انتهت بمأساة صامتة.
ورغم حجم المأساة، لا تزال أوضاع الشيعة في أفغانستان بعيدة عن دائرة الاهتمام الدولي، وسط صمت ملحوظ من قبل الدول المجاورة والمنظمات الأممية تجاه التمييز الممنهج وحجب المساعدات الإنسانية عنهم، في وقت يتفاقم فيه الخطر الاقتصادي والوجودي على هذه المجتمعات.
في ظل هذا الإهمال والتجاهل، يستمر الشيعة الأفغان في مواجهة واقع قاسٍ يسرق أعمارهم وأحلامهم، فيما لا تزال أصواتهم غائبة عن الضمير العالمي.