
في قلب العاصمة الروسية موسكو، حيث تتلاقى العمارة التاريخية مع الحداثة، يبرز “المسجد الكبير” كأحد أبرز المعالم الدينية والثقافية التي ترمز إلى الوجود الإسلامي المتجذر في البلاد، بقبّته الذهبية اللامعة ومناراته الشاهقة التي تلامس سماء المدينة، شاهداً على قرن من الحضور الإسلامي في أرضٍ طالما ارتبطت في الأذهان بإرثها السوفييتي.
هذا المعلم الذي شُيّد أول مرة سنة 1904، أعيد ترميمه وإعادة بنائه بالكامل ليفتتح من جديد عام 2015 في حفل رسمي حضره الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى جانب شخصيات دينية ودبلوماسية رفيعة. واليوم، يتسع المسجد لأكثر من عشرة آلاف مصلٍّ في صلوات الجمع، بينما يتجاوز عدد المصلين في المناسبات الكبرى كعيدَي الفطر والأضحى 200 ألف مصلّ، نظراً للكثافة السكانية المسلمة في العاصمة التي يُقدّر عدد المسلمين فيها بثلاثة ملايين نسمة من أصل نحو 25 مليون مسلم في عموم روسيا.
ولا يقتصر دور “مسجد موسكو الكبير” على الشعائر الدينية فقط، بل أصبح فضاءً يجمع المسلمين من مختلف الأعراق والثقافات في روسيا، في لحظة روحانية واحدة، يعطرها صوت الآذان وترتيل القرآن الكريم بلكنة روسية ممزوجة بالفصاحة العربية.

وفي تصريح لجريدة “هسبريس” الإلكترونية، أكد إلدار نائلوفيتش علييف، نائب رئيس الإدارة الدينية لمسلمي روسيا، أن المسجد الكبير لعب دورًا محوريًا في الحفاظ على الهوية الإسلامية للمجتمع المسلم الروسي، وعمل على ترسيخ قيم التسامح والتعايش الديني. وأضاف أن المسجد يرتبط بشراكات دولية واسعة مع مؤسسات إسلامية من بينها رابطة العالم الإسلامي، وهيئة علماء المسلمين، ووزارة الأوقاف المغربية التي سبق أن وقّعت مذكرة تفاهم لتبادل الزيارات والمنشورات الدينية.
وفيما أقر المسؤول الديني بتراجع نسبي في التعاون مع المغرب في السنوات الأخيرة، خاصة بعد جائحة كورونا، أكد أن حفظة القرآن المغاربة لا يزالون يحظون بتقدير كبير في روسيا، وسبق لهم تمثيل بلادهم في مسابقات قرآنية نالوا فيها مراتب مشرفة.
وفي جانب آخر، أشار علييف إلى انخراط المسلمين في روسيا في مختلف مناحي الحياة، بما فيها العسكرية، مشدداً على أنهم يشكّلون جزءاً أصيلاً من النسيج الوطني ويؤدّون أدواراً مهمة في تعزيز الوحدة والانتماء في دولة متعددة القوميات مثل روسيا.