أخبارأوروباالعالم

جريمة مقتل الفتى المالي تفتح جرح الإسلاموفوبيا من جديد في فرنسا

شهدت فرنسا في الخامس والعشرين من أبريل/نيسان جريمة مروعة راح ضحيتها فتى مسلم من أصول مالية، بعدما أقدم متطرف على قتله داخل مسجد في قرية جنوبي البلاد، في واحدة من أبشع صور الإسلاموفوبيا التي باتت تهدد النسيج المجتمعي الفرنسي.
جريمة قتل “سيسي” أعادت إلى الأذهان فصولًا دامية من استهداف المسلمين في فرنسا وخارجها، كان أبرزها مقتل محمد المعقولي داخل منزله بعد اقتحامه من قبل أحد المتطرفين عام 2015، في أعقاب هجوم “شارلي إيبدو”، وكذلك مذبحة نيوزيلندا عام 2019، عندما اقتحم متطرف مسجدًا في “كرايستشيرش” وقتل عشرات المصلين.
ولا تكمن خطورة الجريمة فقط في بشاعتها، بل في الدوافع الأيديولوجية التي تقف خلفها، إذ تأتي ضمن سلسلة اعتداءات تغذيها كراهية ممنهجة ضد المسلمين، تتجاوز حدود الشعور الفردي لتتحول إلى ممارسات عنف متكررة. وفي السياق ذاته، حذر مراقبون من أن مثل هذه الجرائم ليست حوادث منعزلة، بل نتيجة لما يُعرف بـ”صناعة الإسلاموفوبيا” التي ترسّخها خطابات إعلامية وأكاديمية وسياسية، تسعى إلى شيطنة المسلمين وتصويرهم كخطر دائم.
وفيما أدانت السلطات الفرنسية الجريمة، مشددة على رفضها للكراهية والعنصرية، تساءلت شخصيات دينية وفكرية بارزة، بينها عميد مسجد باريس، الدكتور حفيظ شمس الدين، عن مدى جدية المؤسسات الفرنسية في مواجهة الإسلاموفوبيا، مشيرًا إلى ازدواجية المعايير في التعاطي مع الاعتداءات ضد المسلمين مقارنة بالجرائم المعادية للسامية.
ويحذر باحثون من أن الإسلاموفوبيا ليست فقط عداء دينيًا، بل توجه إقصائي منظم، يجد في بعض الأحداث الدموية ذريعة لإعادة إنتاج العنف والتهميش، في ظل تجاهل مؤسسي لقضايا المسلمين وحقوقهم الأساسية، مثل الحق في الأمان، والكرامة، والمساواة في فرص التعليم والعمل والسكن.
ومع تصاعد التوترات بفعل تداعيات الحرب على غزة، واحتدام الخطاب المعادي للمهاجرين في عدد من الأوساط الأوروبية، يرى متابعون أن الوضع بات يتطلب حوارًا وطنيًا عاجلًا، يضم ممثلي الجاليات المسلمة، والسلطات الفرنسية، والمؤسسات الإعلامية، للوقوف على مكامن الخلل، والعمل على تجريم الإسلاموفوبيا بكل صورها، سواء كانت رمزية أو مادية.
كما دعا نشطاء حقوق الإنسان إلى التزام الإعلام الفرنسي بالاتزان والموضوعية، بدلًا من إذكاء المخاوف ونشر خطاب الكراهية، مشددين على أن تكرار استهداف المسلمين بات يهدد بفتح ما يشبه “حربًا أهلية باردة”، على حد وصف بعض الباحثين.
في هذا السياق، تعالت الأصوات المطالبة بمراجعة شاملة للسياسات الأمنية والممارسات التفتيشية التي يعاني منها مسلمو فرنسا، والتي تدفع العديد من الأطر والكفاءات الشابة إلى الهجرة، لشعورهم بأنهم مواطنون من الدرجة الثانية.
وتؤكد هذه التطورات أن الإسلاموفوبيا لم تعد مجرد رأي أو شعور فردي، بل آفة منظمة تمسّ القيم الجمهورية، وتقوّض التعايش السلمي، وتضع فرنسا أمام لحظة مفصلية تتطلب مواجهة شجاعة لهذا الخطر المتنامي.
إن مقتل “سيسي” ليس مجرد جريمة جنائية، بل صرخة تنذر بخطر محدق، يستوجب حوارًا وطنيًا هادئًا وجادًا، يُفضي إلى حماية المسلمين، ومواجهة خطاب الكراهية، وتجريم الإسلاموفوبيا بوصفها جريمة لا تقلّ خطرًا عن أي شكل من أشكال الإرهـ،ـاب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى