مسلمو فيتنام.. أقلية تاريخية تحمل شعار التسامح وتُعزز حضورها الثقافي والديني

رغم أن الإسلام يُعد من الديانات الأقلية في فيتنام، إلا أن حضوره في هذا البلد الواقع جنوب شرق آسيا يمتد بجذوره إلى قرون مضت، خاصة في أوساط أبناء أقلية “التشام”، الذين يتوزعون في مناطق الجنوب الشرقي، ويُعرفون بإسهاماتهم الثقافية والتاريخية وبتمسكهم بهويتهم الإسلامية في مجتمع يغلب عليه الطابع البوذي.
ويُقدّر عدد المسلمين في فيتنام بنحو 90 ألف نسمة، أي ما يقل عن 0.2% من مجموع السكان البالغ عددهم قرابة 100 مليون، فيما تحتضن العاصمة الاقتصادية هو تشي منه وحدها نحو 10 آلاف مسلم، موزعين على 17 مسجدًا أبرزها “مسجد المسلمين” المعروف أيضًا بـ”مسجد سايغون المركزي”، و”مسجد جميع المسلمين” الذي يُعرف بالمسجد الهندي.
ينتمي معظم مسلمي البلاد إلى أقلية التشام، وهم أحفاد مملكة تشامبا التي ازدهرت في القرون الوسطى، ويبلغ عدد أفرادها حوالي 180 ألفًا يعيش أغلبهم في مقاطعتي “نينه ثوان” و”بين ثوان” في دلتا نهر الميكونغ، حيث يحافظون على تقاليدهم ومعتقداتهم ضمن نسيج اجتماعي متنوع.
وفي سعيهم للحفاظ على هويتهم، ينشط مسلمو فيتنام في إنشاء المطاعم الحلال وتنظيم المبادرات المجتمعية التي تعزز من اندماجهم في المجتمع الأوسع دون التخلي عن معتقداتهم، وتساهم مدينة هو تشي منه بشكل خاص في هذا المشهد من خلال استقبالها المتزايد للسياح والزوار المسلمين من دول كماليزيا، وإندونيسيا، وقطر، والسعودية، إلى جانب الجاليات المقيمة من تونس، والجزائر، والمغرب، ومصر، واليمن.
وأشار أحد مسؤولي المسجد ويدعى “ذو القرنين” إلى أن بناء المسجد يعود إلى عام 1935 لخدمة الجالية الهندية المسلمة آنذاك، ويتميز بهندسته البيضاء والخضراء ومآذنه الأربع التي تُحاكي الطراز الماليزي.
أما “مسجد جميع المسلمين”، فهو أصغر حجما لكنه يحتفظ بخصوصيته الجمالية، ويتميّز بحوض مائي تسبح فيه الأسماك، ويُستخدم للوضوء، مما يضفي على المكان سكينة وروحانية نادرة.
ومن بين الأصوات التي أصبحت مألوفة للمصلين، يبرز الشاب النيجيري يحيى يوسف (25 عامًا) الذي رفع الأذان بصوته العذب في “مسجد المسلمين”، بعدما حلّ ضيفًا على المدينة بحثًا عن فرصة عمل لم تتحقق، فوجد في الجالية المسلمة سندًا ودعمًا ومعينًا. وقد شبهه البعض بالمؤذن الأول في الإسلام بلال بن رباح، لما يشترك معه من صفات في الصوت والبشرة، ولقوة تأثيره بين أبناء الجالية.
ويعكس الحضور الإسلامي المتنامي في فيتنام، رغم ضآلة العدد، نموذجًا للتسامح والتعايش، حيث لا يزال المسلمون يحافظون على شعائرهم الدينية وموروثهم الثقافي في بيئة متعددة الأديان، حاملين شعار الانفتاح والتآخي.