أخبارسوريا

الدروز في سوريا يتصدرون المشهد: أقلية دينية وسط نيران النزاعات الإقليمية والتجاذبات السياسية

برزت الطائفة الدرزية في سوريا خلال السنوات الأخيرة كلاعب ديني واجتماعي وسياسي فاعل، على الرغم من قلة عدد أفرادها الذين لا تتجاوز نسبتهم 3% من سكان البلاد. ويأتي هذا الظهور المتزايد في وقت يشهد فيه المشهد السوري تصاعدًا في التوترات الإقليمية، لتجد هذه الأقلية العربية التاريخية نفسها في قلب المعادلة بين النظام والمعارضة من جهة، وبين أطراف خارجية تسعى لتعزيز نفوذها في سوريا من جهة أخرى.
ويتوزع الموحدون الدروز في سوريا بشكل أساسي في محافظة السويداء (جبل الدروز)، إلى جانب تجمعات في ريف دمشق وضواحيها وجبل الشيخ وشمال إدلب. ويُقدّر عددهم بما بين 700 ألف إلى مليون نسمة، ما يجعل من سوريا مركزًا ديموغرافيًا رئيسًا للطائفة التي ينتشر أبناؤها أيضاً في لبنان وإسرائيل.
رغم ميل الدروز التقليدي إلى الحياد السياسي والحفاظ على مسافة من السلطة المركزية، خصوصًا بعد اندلاع الصراع السوري عام 2011، فإن السنوات الأخيرة شهدت تحولات في موقفهم. ففي السويداء، عبّر زعماء دينيون ومجتمعيون عن مواقف مناهضة للنظام السوري، ورفض بعضهم دعوات التجنيد والانخراط في الميليشيات الموالية للحكومة، ما أدى إلى احتكاكات متكررة مع السلطات الأمنية.
وتاريخيًا، لعب الدروز دورًا مفصليًا في مقاومة الاستعمار الفرنسي بقيادة سلطان باشا الأطرش في عشرينيات القرن الماضي، مطالبين بالاستقلال والحقوق السياسية. ومع استقلال سوريا، سعى الدروز إلى الاحتفاظ بإدارة محلية تتمتع بخصوصية سياسية وأمنية.
لكن هذه الخصوصية لم تكن في مأمن من الاستهداف، حيث تعرضت مناطقهم لهجمات من تنظيم د1عش والجماعات المتطرفة خلال الحرب الأهلية، أبرزها مجزرة السويداء عام 2018 التي راح ضحيتها أكثر من 250 مدنيًا. كما شكلت مجزرة قلب لوزة في إدلب عام 2015 واحدة من أبرز محطات الاستهداف الممنهج للطائفة.
ومع التوتر الإقليمي المتزايد، عاد الملف الدرزي إلى الواجهة. إذ كشفت تقارير إسرائيلية عن نية وفد من مشايخ الدروز السوريين زيارة إسرائيل لأول مرة منذ خمسة عقود، وهو ما أثار جدلًا واسعًا في ظل إعلان الجيش الإسرائيلي عن استعداده للدفاع عن بلدة درزية قرب دمشق في حال تعرّضها لهجوم.
في المقابل، لا يزال غالبية دروز الجولان المحتل يرفضون الجنسية الإسرائـ،ـيلية ويؤكدون انتماءهم لسوريا، رغم مرور أكثر من خمسة عقود على الاحتلال. كما يشير مراقبون إلى أن الطائفة ما زالت تطالب بتكوين سلطة شاملة تضمن التمثيل المتوازن لجميع مكونات الشعب السوري، وتطالب بحقها في إدارة أمنية محلية والحفاظ على السلاح للدفاع الذاتي.
ومع تفاقم الأزمة السورية واستمرار التجاذبات الإقليمية والدولية، تظل الطائفة الدرزية في موقف دقيق، تحاول من خلاله الحفاظ على هويتها الثقافية والدينية، وضمان أمنها الذاتي، في ظل معادلة سياسية معقدة وضغوط متزايدة من مختلف الأطراف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى