أخبارالعالم الاسلامي

العباءة الزينبية.. حكاية وفاء نسجتها القلوب قبل أن تنسجها الأيدي

على ضفاف الزمن، حيث تعانق الأصالة عبير العقيدة، ولدت العباءة الزينبية، بهيئتها السوداء التي غدت رمزًا للحياء، وصورة خالدة لصبر النساء وعفتهن. في العراق، وبين أزقة الكاظمية القديمة، تنبض هذه العباءة بحكايات لا تنتهي، وقد حملتها النساء منذ قرون فوق أكتافهن، كأنهن يحملن معها إرثًا من الطهر والمروءة.
في الأسواق العتيقة، تقف العباءة الزينبية شاهدة على وفاء شعب لرموزه ومبادئه، تُطرَّز بخيوط من الإيمان والانتماء. صانتها أنامل الحرفيين الذين ورثوا سرّها أباً عن جد، فغدت جزءًا من وجدان المكان وأهله، لا مجرد قطعة قماش سوداء.
أنواعها تعددت، لكن روحها واحدة. من عباءة الجرجيت الفاخرة، الخفيفة كنسيم الفجر، إلى عباءة الخافيار ذات النسيج المتوسط، ثم عباءة الحرير، يختلف الثوب وتبقى الرسالة واحدة: ستر وعز وفخر. لكل نوع درجته، ولكل خيط حكايته، تتفاوت الأسعار كما تتفاوت الأرواح في محبتها لهذا التراث، فيُدفع فيها الغالي لأنها ليست مجرد لباس، بل هوية وانتماء.
وتروي الكتب القديمة أن النساء في الأزمنة السحيقة كنّ يختتن إلى العباءة البيضاء رمزًا للنقاء، حتى جاء يوم الطف الحزين، فارتدت القلوب السواد، وتبعها الثوب، وفاءً لدمٍ أريق ظلماً، ولصرخة حق لم تخبُ.
حتى الأمس القريب، كانت العباءة الزينبية تحتفظ ببهائها العراقي الأصيل، تغمر الجسد بحنانها، وتضم اليدين والذراعين إلى حشمتها الرحبة. ومع موجات الانفتاح بعد عام 2003، جاءت العباءات المستوردة، بألوانها وموديلاتها الجديدة، تسعى لتقتنص مكانًا لها، إلا أن العباءة العراقية الأصيلة بقيت شامخة، تتصدر المشهد، مفضلةً لدى قلوب النساء العراقيات اللاتي يعرفن سر هذه العباءة، وما تحمله من معنى وذاكرة لا تشيخ.
بين رفوف المحلات، تتدلّى العباءات كأغصان زيتون، تختار منها النساء بعناية قلبية لا تخطئ، وكأنهن يخترن وفاءً، لا ثوبًا. ورغم أن بعض الشابات اليوم يمِلْن إلى لمسات حداثية، تبقى الأغلبية مخلصة لذلك السواد الوقور، الذي مازال، رغم الزمن، يحتضن العفة وينطق بالعقيدة دون أن يحتاج إلى كلام.
العباءة الزينبية ليست مجرد قطعة لباس… إنها رسالة حب ووفاء، ترويها الأيام، وتحملها الأجيال، خفاقة فوق رؤوس النساء، كراية لا تنكسر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى