أخبارأفغانستان

سوق العمل في أفغانستان أمام مفترق طرق: عزلة دولية، بطالة متصاعدة، وآمال معلّقة على الدعم والاستثمار

يشهد سوق العمل في أفغانستان أزمة متفاقمة مع تزايد معدّلات البطالة وتراجع الفرص الاقتصادية، في ظل عزلة دولية خانقة وانكماش في حجم المساعدات الخارجية، ما يضع البلاد أمام مفترق طرق حاسم وسط تحديات سياسية واقتصادية غير مسبوقة.


في أحد أسواق العاصمة كابل، يقف العامل صفي الله آخوند زاده يوميًا بين مئات الباحثين عن فرصة عمل في قطاع البناء، غير أنه يعود غالبًا إلى منزله المتواضع خالي الوفاض، مثقلاً بمسؤولية إعالة أسرته المكوّنة من خمسة أفراد. ويعبّر بكلمات موجعة عن واقع يعيشه ملايين الأفغان: “لا سيولة لدى أصحاب المشاريع، والأسعار ترتفع باستمرار، فكيف أعيش؟”.
منذ التغيّرات السياسية التي شهدتها البلاد في أغسطس/آب 2021، بات الاقتصاد الأفغاني يواجه انكماشًا شديدًا. فقد تراجعت المساعدات الخارجية من 3.8 مليارات دولار في عام 2022 إلى 1.9 مليار فقط في 2023، بينما لم يُموّل سوى 51.8% من خطة الأمم المتحدة الإنسانية للعام 2024، المقدّرة بـ3.06 مليارات دولار.


وتفاقمت الأزمة مع تجميد 7 مليارات دولار من الأصول الأفغانية في البنوك الأجنبية، ما أدى إلى شحّ شديد في السيولة وتعطيل قطاعات حيوية، لا سيما القطاع المصرفي، ما أجبر الشركات الصغيرة على تقليص عملياتها أو الإغلاق التام.
في كابل، يؤكد عبد المجيد شريفي، وهو صاحب ورشة نجارة، أن استيراد الأخشاب بات مكلفًا جدًا، مضيفًا: “أضطر أحيانًا إلى تسريح العمال حتى أتمكن من دفع إيجار الورشة”.
رغم استقرار سعر صرف العملة بين 72 و73 أفغانياً للدولار، إلا أن أكثر من نصف السكان يعيشون تحت خط الفقر، فيما يعاني 14.8 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي، بحسب تقارير أممية.
وفي محاولة لتحفيز الاقتصاد، تسعى الحكومة إلى دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة وتقديم تسهيلات ضريبية، كما تعمل على إصلاح نظام الجباية لزيادة الإيرادات المحلية. غير أن هذه المساعي تُواجه عقبات كبرى، أبرزها استمرار العقوبات وتعطيل النظام المصرفي، ما يعقّد أي استثمار محتمل أو شراكات خارجية.
وبحسب منظمة العمل الدولية، بلغ معدل البطالة 13.99% في عام 2023، وسط مخاوف من زيادته بعد عودة أكثر من 515 ألف مهاجر من باكستان وتراجع فرص التمويل الإنساني. وتعد النساء الأكثر تضررًا، حيث انخفضت مشاركتهن في سوق العمل بنسبة 25% منذ عام 2021، ما أدى إلى إغلاق آلاف المشاريع الصغيرة التي كانت تقودها نساء.
وتقول زليخة عزيزي من ولاية هرات: “أغلقت ورشتي للخياطة بسبب غلاء الأقمشة، واليوم عدت إلى البيت أنتظر فرصة لا أعلم متى تأتي”.
في المقابل، أعلنت وزارة العمل الأفغانية عن مذكرة تفاهم أولية مع قطر لتوظيف عمال أفغان، في خطوة تهدف إلى فتح قنوات جديدة للعملة الأجنبية وتحقيق بعض التوازن في سوق العمل المحلي. كما أُجريت مشاورات مع الإمارات وتركيا حول توظيف العمالة.
ويرى خبراء أن تصدير الأيدي العاملة قد يسهم في رفع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تتراوح بين 5 و7% سنويًا، لكنهم يحذرون من أن استمرار العقوبات على النظام المالي قد يعوق تحويلات الأجور ويهدد حقوق العمال.
أظهرت البيانات الرسمية تراجعًا واسعًا في معظم القطاعات الاقتصادية: فقد انخفض قطاع البناء بنسبة 35.4%، وتراجعت الزراعة بنسبة 6.6%، فيما فقدت الصناعات 5.7% من حجمها، أما قطاع الخدمات فانخفض بنسبة 30%. ومع غياب التمويل المصرفي، بات الاقتصاد الأفغاني رهينة شبكات تحويل الأموال غير الرسمية التي تفتقر إلى الأمان والشفافية.
ويُحذّر خبراء الاقتصاد من استمرار الاعتماد على التوظيف غير الرسمي، مشيرين إلى أنه لا يوفّر بيئة اقتصادية مستدامة. ويقول الخبير الاقتصادي أحمد بوبل إن “استثمار 50 مليون دولار قد يولّد 150 ألف فرصة عمل بحلول 2027، لكننا بحاجة إلى بيئة قانونية، ومؤسسات قادرة، وثقة دولية حقيقية”.
في بلد يرزح تحت وطأة الحصار المالي والسياسي، يظل نضال العمال والنساء وأصحاب المشاريع الصغيرة عنوانًا لمرحلة صعبة، تُراوح بين الأمل في التعافي والمخاوف من الانهيار الكامل، وسط اقتصاد يصارع للبقاء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى