
أثار قرار أربع دور سينما فرنسية إلغاء عروض خاصة لفيلم وثائقي بعنوان “ابن رشد: ما وراء الأحكام المسبقة” موجة انتقادات واسعة، وسط اتهامات بتصاعد مظاهر الإسلاموفوبيا وتقييد حرية التعبير عندما يتعلق الأمر بصورة إيجابية عن المسلمين في فرنسا.
الفيلم، الذي يوثّق تجربة ثانوية ابن رشد الإسلامية في مدينة ليل شمال فرنسا، يسلّط الضوء على نموذج تعليمي ناجح قائم على قيم الانفتاح والتفوق الأكاديمي، بعيدًا عن أي طابع دعوي أو ديني مباشر. ورغم ذلك، أُلغيت العروض وفق ما كشفه موقع Mediapart، رغم توقيع عقود مسبقة ودفع جزء من التكاليف من قبل شركة الإنتاج “استوديو رنيم”، ما يشير إلى أن الإلغاء لم يكن لأسباب فنية أو إدارية، بل نتيجة ضغوط سياسية واضحة.
مصادر من داخل القطاع الثقافي أكدت أن هذه الضغوط جاءت من جهات سياسية محسوبة على حزب “التجمع الوطني” اليميني المتطرف، في سياق حملة منظّمة تهدف إلى منع أي تمثيل إيجابي للمجتمع المسلم في الفضاء العام، خاصة إذا ما تعارض مع الصور النمطية التي تروّج لها بعض الأطراف السياسية والإعلامية.
وتأتي هذه الخطوة لتسلّط الضوء مجددًا على التناقضات في الخطاب الرسمي الفرنسي، الذي يرفع شعار الدفاع عن حرية التعبير والفن، بينما يُمنع عرض فيلم يعرض تجربة تعليمية ناجحة لمجرد أنها تنتمي إلى إطار إسلامي.
منتجو الفيلم أكدوا أن العمل لا يحمل أي دعاية دينية، بل يقدّم شهادة حية من تلاميذ ومعلمين يسعون للعلم والنجاح ضمن بيئة تربوية راقية، مشيرين إلى أن قرار الإلغاء يكشف عن خوف بعض الجهات من كسر الصور النمطية السلبية عن المسلمين.
يُذكر أن فرنسا تضم أكثر من خمسة ملايين مسلم، ومع ذلك لا تزال النقاشات حول تمثيلهم في الإعلام والثقافة محاطة بالكثير من الحساسية، في ظل ما يصفه ناشطون بـ”ازدواجية المعايير” و”تسييس مبدأ العلمانية” بطريقة تُقصي الهويات الدينية، وبشكل خاص الإسلامية.
ويُعدّ إلغاء عروض هذا الفيلم مؤشراً إضافياً على التحديات المتزايدة التي تواجهها المبادرات الثقافية والتعليمية الإسلامية في فرنسا، في وقت تتصاعد فيه أصوات تطالب بحماية التعددية الثقافية والدينية، وضمان تمثيل عادل للمسلمين في المجال العام.