
الخرطوم – تدخل الحرب الدامية في السودان عامها الثالث، وسط تصاعد حاد في حجم المأساة الإنسانية التي يعيشها ملايين المدنيين، خاصة النساء والأطفال وكبار السن، الذين وجدوا أنفسهم محاصرين في دوامة من العنف والمجاعة وانهيار الخدمات الأساسية، دون أفق لحل قريب.
فمنذ اندلاع النزاع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في 15 أبريل/نيسان 2023، تحوّلت الخرطوم ومدن أخرى إلى ساحات قتال مفتوحة، مخلّفة دمارًا واسعًا وتشريدًا قسريًا لما يقرب من 13 مليون شخص، فرّ أربعة ملايين منهم إلى دول الجوار، فيما لا يزال ملايين آخرون عالقين داخل البلاد بلا مأوى أو غذاء أو دواء.
ففي منطقة دارفور الغربية، خصوصًا في مخيمي زمزم وأبو شوك، تتفاقم الكارثة وسط حصار خانق تفرضه قوات الدعم السريع، التي شنّت الجمعة والسبت الماضيين هجومًا دمويًا أسفر عن مقتل أكثر من 300 شخص. المخيمان يؤويان نحو 700 ألف نازح فرّوا من أتون المعارك، ويعانون من المجاعة في ظل انقطاع تام للمساعدات الإنسانية بسبب القتال العنيف.
ويؤكد برنامج الغذاء العالمي أن نصف سكان السودان – نحو 25 مليون نسمة – مهددون بالمجاعة، مشيرًا إلى انتشارها فعليًا في عشر مناطق، بينها ولاية شمال دارفور، وسط تحذيرات من توسّعها خلال الأسابيع المقبلة ما لم يتم التحرك الدولي العاجل.
أما الأطفال، فهم الحلقة الأضعف في هذه الحرب المنسية. فقد أعلنت منظمة اليونيسف أن عدد الأطفال المحتاجين للمساعدة الإنسانية تضاعف من 7.8 مليون في بداية عام 2023 إلى أكثر من 15 مليون اليوم، محذّرة من أن العنف المتصاعد والجوع والمرض قد يحوّلون الأزمة إلى “كارثة أكبر”.
وقالت المنظمة: “العنف ضد الأطفال يتزايد بشكل مروّع، ومعه تتفاقم معاناة الأسر التي فقدت كل شيء”.
ورغم صرخات المنظمات الإنسانية وتحذيرات الأمم المتحدة من استمرار تدفق الأسلحة والمقاتلين إلى داخل السودان، لا تزال المعارك محتدمة، وتزداد حدّتها بين الفينة والأخرى، فيما يُتَّهم الطرفان بارتكاب فظائع، من بينها القتل الجماعي والاغتصاب.
وكان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش قد دعا إلى “وقف الدعم الخارجي” للأطراف المتحاربة، مطالبًا من يملكون “النفوذ الأكبر” بالمساهمة في إنقاذ المدنيين بدلاً من إدامة الكارثة.
وفي محاولة لاحتواء الوضع، عقد في لندن مؤتمر دولي حضره دبلوماسيون ومسؤولو إغاثة، أعلن خلاله وزير الخارجية البريطاني عن تخصيص 140 مليون يورو مساعدات جديدة للسودان، داعيًا المجتمع الدولي إلى التحرّك الفوري لمنع تفاقم الأزمة.
لكن على الأرض، لا تزال المأساة تتفاقم يومًا بعد آخر، والنساء والأطفال والعجزة يواجهون الجوع والخوف والموت في صمت مطبق، بينما يغيب الحل السياسي ويستمر الرهان على السلاح.
السودان اليوم يقف على حافة الانهيار الشامل، وأزمته لم تعد فقط صراعًا داخليًا، بل تهديدًا متصاعدًا للأمن الإقليمي والإنساني، يستدعي تحركًا دوليًا عاجلًا قبل فوات الأوان.