أخبارالعالم الاسلاميالعتبات والمزارات المقدسةالعراق

معالم إسلامية.. سامراء مدينة النورين التي احتضنت التاريخ والحضارة والتشيّع

تشخص مدينة سامراء في عمق التاريخ كأحد أبرز المعالم الإسلامية ذات الامتداد الحضاري والديني العريق، حيث تعدّ من أقدم الحواضر في العراق التي عرفت الحياة منذ آلاف السنين، وتألّقت خلال العصور المختلفة، لاسيّما في العصر العباسي، وارتبط اسمها بالمقدّسات الشيعية لاحتضانها مرقدي الإمامين علي الهادي والحسن العسكري عليهما السلام، فغدت مدينة النورين ووجهة لملايين الزائرين من أنحاء العالم الإسلامي.
يشير المؤرخون إلى أن اسم سامراء ذو جذور آرامية، وردت بصيغ متعددة عبر العصور مثل “سومرا”، “سوما”، و”سرمارتا”، وهو ما ينفي الأساطير التي رُبطت بتفسير الاسم على الطريقة العربية مثل “سر من رأى” و”ساء من رأى”، حيث يرى الباحثون أن هذه التأويلات وليدة الخيال والتفاؤل أو التشاؤم، في حين أن اسم المدينة أقدم بكثير من العصر العباسي، وربما يعود للفترة البابلية أو الآشورية.
وتكشف الحفريات الأثرية عن أن سامراء كانت مأهولة منذ عصور ما قبل التاريخ، واحتضنت حضارات متعاقبة، حيث اكتشف علماء الآثار مقبرة ومواقع أثرية مثل “تل الصوان” الذي يعود إلى الألف السادس قبل الميلاد، إضافة إلى ما يُعرف بفخار سامراء، الذي مثّل مرحلة ثقافية متقدمة تدلّ على وجود مجتمع زراعي مستقر.
أما في العصر العباسي، فقد تحوّلت سامراء إلى عاصمة للدولة، بعد أن اختارها الحاكم العباسي المعتصم عام 221هـ بسبب ضيق بغداد بجنوده الأتراك، فشيّد فيها القصور والمباني الإدارية والأسواق والثكنات، وجلب إليها المهندسين والفنانين من أنحاء العالم. ومن أشهر المعالم التي بقيت شاهدة على تلك الحقبة، الجامع الكبير ومئذنته الملوية الفريدة.
وقد شهدت سامراء خلال ما يقارب خمسة وخمسين عاماً ثمانية حكام عباسيين بدءاً بالمعتصم وانتهاءً بالمعتمد. وعلى الرغم من فخامة العمران، فإن نهايات بعض هؤلاء الحكام كانت مأساوية، إذ قُتل المتوكل في قصره الجعفري، وانهارت القصور في فترات الاضطراب والفتن، لتتحول أطلالاً يلفّها الصمت.
وكانت سامراء موطنًا للثقافة والعلم، كما عُرفت منذ إقامة الإمامين الهادي والعسكري عليهما السلام فيها بأنها حاضرة شيعية بارزة. فقد جذبت شخصياتهم ومواقفهم كثيرًا من الناس إلى التشيع، وشهدت المدينة خلال ذلك تحولات دينية وروحية كبرى، ظلت آثارها قائمة رغم محاولات الطمس والاضطهاد على يد بعض الحكّام من أمثال صلاح الدين الأيوبي والسلطان العثماني سليم الأول.
واليوم، لا تزال سامراء تحتفظ بهيبتها التاريخية ومكانتها الدينية، حيث يزورها الملايين من المؤمنين لزيارة المرقدين الشريفين ومشاهدة آثار الحضارة الإسلامية التي ازدهرت في ربوعها، لتبقى مدينة سامراء شاهدة على عظمة الماضي وحيوية الحاضر وعمق الانتماء الروحي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى