
سلّط الرحّالة الهندي محمد هارون الزنگي پوري الضوء على البُعد العالمي والروحي لمدينة كربلاء المقدسة خلال زيارته لها عام 1328 هـ (1910م)، ضمن جولاته في مدن العالم الإسلامي، حيث وثّق مشاهداته بدقة لواقع المدينة ومراسيم الزيارة في تلك المرحلة، وذلك في كتاب رحلته الذي صدر لاحقًا عام 1329 هـ (1912م).
وفي وصفه المفصل، قدّم الزنگي پوري سردًا حيًّا لزيارة مرقد الإمام الحسين (عليه السلام)، موضحًا الأدعية والصلوات التي يرددها الزائرون، وعبّر عن انبهاره الكبير بالتنوّع الواسع في الجنسيات التي كانت تؤم الضريح، إذ شملت زوارًا من العرب والفرس والأتراك والأكراد والهنود والسنديّين، إلى جانب وفود جاءت من الصين والتتار وروسيا وروما وأفريقيا وأمريكا وأوروبا وآسيا، ما يعكس عالمية كربلاء حتى في تلك الحقبة.
ورغم اهتمامه بتوثيق تفاصيل الزيارات ومناسباتها، إلا أن الرحّالة الهندي لم يُشر صراحة إلى زيارة الأربعين، وهو ما أثار تساؤلات بين المهتمين حول سبب هذا الغياب، خاصة أن المناسبة تُعد من أبرز الشعائر الحسينية. ويذهب بعض الباحثين إلى احتمال أنه تجنّب ذكرها عمدًا مراعاةً للرقابة أو بسبب الظروف الدينية والسياسية في الهند آنذاك، حيث كانت الهيمنة للمعتقدات غير الإسلامية، وقد تُفسّر الإشارة إلى بعض المناسبات بأنها محاولة لتجنب ذكر ما قد يُعدّ “حسّاسًا” في بلده.
كما أشار الزنگي پوري إلى أن أبواب الحضرتين الحسينية والعباسية كانت تُفتح طوال ليالي شهر رمضان، وليالي محرم، وليالي الجمعة، وأيام الأعياد الثلاثة (الغدير، الفطر، الأضحى)، بالإضافة إلى زيارات مخصوصة في أول رجب ونصفه، ونصف شهر رمضان، ويوم عرفة، موضحًا أن الأبواب تُغلق بعد ثلث الليل في سائر الأيام.
وتُعدّ رحلة الزنگي پوري واحدة من أبرز الشهادات التي توثق الروح العالمية والشعبية لزيارة الإمام الحسين (عليه السلام) في أوائل القرن العشرين، وتكشف عن عمق الجاذبية الروحية التي مثلتها كربلاء عبر العصور.